ندهش لكتابٍ يحصد الجوائز وعند الإطلاع عليه نتفاجأ بالمحتوى الضّحل أو بالأسباب غير الفنيّة التي جعلتْ هذا الكتاب الأدبي من رواية وشعر وقصة و..، يتبوأ هذا النجاح!؟؛ كذلك نقرأ عرضاً نقدياً أو صحفياً لكتاب أدبي ويتمّ المكر بالقارئ بمدح هذا الكتاب أو ذمّه لأسباب غير فنية!؟. قيل عن الصحافة الاقتصادية أنّها تبيّض صفحة المؤسسات الاقتصادية أو تسوّدها، ليجني الصحفي أو المحلّل الاقتصادي أرباحاً خفية من مقالته أو تحقيقه من تلك المؤسسات عندما يمدحها أو يهددها بالتشهير؟. حسنا لنبدأ من السؤال الأخير »وهل قادتك تلك الصعاب للتفكير بالكتابة باسم مستعار كما فعل بعض الكتاب هرباً من سطوة سلطة ما؟«. غواية الكتابة باسم مستعار لا بد وأنها غازلتني في بداية عملي الصحفي، إلا أن لتلك الغواية شياطينها التي لا تنفك عن محاصرتك بالسؤال التالي : لماذا ؟ لماذا التخفي وراء لقب أو اسم معين في مهنة كمهنة الصحافة تحتاج بالدرجة الأولى للمصالحة الشخصية مع الذات ومع القارئ، خصوصا بالظروف القاسية التي نمر بها، نستطيع المواربة في قضية المصالحة مع الذات، باعتبار إنني اشتغل على مادتي الصحفية لتكون مادة أدبية في المقام الأول، تستفزني اللغة دائما و لا أستطيع مقاومة اللعب بالمفردات والتراكيب لصياغة المادة الصحفية التي أعمل عليها، بحس فيه نفس شعري و نثري متواصل ما يضطرني بالكثير من الأحيان للتخاصم معها و من ثم العودة لمصالحتها بقصيدة رائعة لواحد من فحول الشعر العربي كالمتنبي .. أبو النواس، علي بن جبلة وغيرهم، وغالبا ما ترضى. أما التصالح مع القارئ فمسألة لها أبعاد مختلفة، القراء أمزجة متنافرة، منهم من يستسيغ المهارة الأدبية، ومنهم من يرى فيها حذلقة زائدة عن الحاجة، بالنسبة لي كان وما زال خيار القارئ المستمتع باللغة وإيحاءاتها هو هدفي المنشود، وهم للأسف قلة قليلة كما أدركت بعد أكثر من عشر سنوات أشغال كتابية شاقة،. ما يقودنا للسؤال التالي : متى لجأت إلى تبيّض عمل فني أو تسوّده وما الأرباح التي جنيتها وإنْ رمت الموضوعية في كتاباتك، ما هي الصّعاب التي تواجهها؟ عندما أبدا بكتابة أي مادة صحفية، سواء كانت نقدية لعمل فني أو غيره أو مادة تدور حول موضوع راهن لا يكل عن وخزي لأبدي رأيي فيه، فأنني أبدا بالكتابة دون أن أضع في حساباتي الشخصية والفكرية أي عائق، قد يكون هذا الكلام طوباوياً قليلاَ، ولكن هذا ما حدث معي حتى الآن وأنا أخط هذه العبارات، رغم دهاء السلطة وسطوتها، إلا إنني اكتشفت بشكل شخصي مدى سهولة التعامل معها، ولهذا يبدو أنني اجعل من مادتي الصحفية عمل أدبي بالمقام الأول، فاللغة العربية تحمل كما تعرف دلالات متشعبة و معان متعددة، وهي توفر بهذا الغنى نوع من الحماية الذاتية مبدئيا، إلا أن القاعدة الأساسية التي اعتنقها بهذا المجال فهي، أن أبدا الكتابة دون أن أفكر بأي عائق وأي شخص وأي تابو . بالنسبة للصعاب، استطيع القول أنها تتمثل بمقولة لويجي بيرانديللو :الكتابة مسألة سهلة وبسيطة، كل ما عليك فعله هو أن تظل محدقا إلى الورقة البيضاء حتى ينزف جبينك ويا لصدق ما قاله هذا الرجل، بالنسبة لي هذه هي الصعوبة الكبرى، كتابة نص محكم، مبني على قواعد جمة، من بينها الموضوعية، والموضوعية كما تعرف لا مجال للربح فيها، بل وعليك أن تتوقع الخسارة بمعناها النفسي والمادي بسببها دون أن تضع في بالك أي هامش للربح، ولكن يكفيني أن يقول لي صديق أثق برأيه، مادتك قيمة .. الموضوعية يا صديقي قد تجعلك وحيدا، ولكن لا بأس الوحدة أفضل من الرياء الثقافي والفكري، الذي أوصلنا لما نحن عليه الآن، أريد أن اضرب لك مثلا، تضم مكتبتي ما يزيد عن 300 مجموعة شعرية لشعراء جدد سوريين وعرب، تصلني بحكم عملي في المجال الثقافي بإحدى الصحف المحلية، و انتبه أنني وضعت مجموعة شعرية بين قوسين، هل تصدق إذا قلت لك، بأنني أفكر كيف سأتخلص منها بسادية، يعني هل احرقها أم أضعها في اقرب مكب نفايات. لن اكتب أبدا باسم مستعار، ولن أقول إلا ما أراه صائبا ومحقا، ولن أخشى في الحق لومة لائم. سأعود فقط لموضوع الكتابة تحت اسم مستعار، لأسأل : ماذا حقق من فعل ذلك سوى الشهرة الشخصية والمنفعة المادية لنفسه ؟ هل حقا قدم للناس ما يعنيهم و يمسهم ؟ لا اعتقد ذلك .. والشواهد المعاصرة كثيرة ومعروفة.