وزير الشؤون الدينية نفى وبشكل قطعي وجود أي مظهر من مظاهر التشييع في مختلف مناطق الجزائر، وقال ردا على الصور التي تداولتها عدة مواقع اليكترونية بخصوص هذه الظاهرة في مدينة وهران، قائلا بأن الأمر يتعلق بلاجئين سوريين توافدوا بكثرة على عاصمة الغرب الجزائري، علما أن الشيعة يشكلون جزءا كبيرا من سكان سوريا، وبطبيعة الحال لم يقنع أبو عبد الله غلام الله الكثير من الناس، خصوصا الذين يقولون أن لديهم أدلة ملموسة عن الظاهرة ويؤكدون بأن الكثير من الشباب الجزائري انجذب إلى التشيع بإغراءات مختلفة على غرار زواج المتعة الذي يبيحه المذهبالشيعي. فما مدى صدق الوزير وما مدى اطلاعه ومعرفته بالواقع، وهل حقيقة أن التشيع في الجزائر مجرد كلام فارغ يردده من يريد التخويف وتصوير البلد وكأنه قد تحول غابة يسرح ويمرح فيها من يشاء وكيفما يشاء، أم أن التشيع حقيقة وأن الوزير يريد فقط تقزيمها كما فعل مع ظاهرة التنصير، ومع ما اصطلح على تسميتها بالفتنة المذهبية في غرداية وقبل هذا وذاك مع انتشار المذهب الوهابي السلفي في مختلف جهات البلاد. الحقيقة أن ظاهرة التشيع أصبحت معروفة في مختلف الدول العربية والإسلامية، وتم التحذير منها في الجزائر وفي دول شمال أفريقيا خصوصا في المغرب وهذا بعدما لوحظ ظهور جماعات تشيعت حديثا وأصبحت تمارس طقوس الشيعة سرا، وتم طرح المسألة في الكثير من المرات من زاوية سياسية واعتبار ظاهرة التشيع الوجه الأخر للمد الإيراني وتصدير الثورة الإيرانية بطريقة جديدة تختلف عن الطريقة التقليدية التي كانت موجودة في ثمانينات القرن الماضي، أي عن طريق خلق جماعات مسلحة متمردة. لاشك أن التوجس مما يسمى بالمد الشيعي والنفوذ الإيراني ليس على مستوى واحد في جميع الأقطار العربية، وبالنسبة للجزائر لا تمثل إيران خطرا استراتيجيا على المدى القريب أو المتوسط أو حتى البعيد، وهذا خلافا لدول الخليج العربي مثلا، لكن هذا لا يعني بأن المد الشيعي لا يقلق الجزائريين، فهو يمثل خطر على الانسجام الوطني في حال تشكلت أقلية شيعية وهذه الأقلية تطرح مشاكل كبيرة في العديدة من الدول العربية خصوصا في منطقة الخليج العربي، هذا إلى جانب الخطر الذي قد يمثله التشيع على أمن واستقرار البلد في المستقبل لاعتبارات كثيرة ومتشعبة. سياسة التقزيم التي تتبعها الحكومة وعبر عنها وزير الشؤون الدينية في أكثر من مناسبة لن تحل المشكل، واعتبار التشيع قضية أمنية والتعامل معها على هذا الأساس سيجعل المشكل يتفاقم وقد يصبح غير قابل للسيطرة والاحتواء، وعندها لن تفيد تصريحات أي مسؤول في الدولة مهما كان صفه ورتبته، خاصة وأننا في عالم أصبحت فيه الأقليات العرقية والدينية والمذهبية تشكل السبب الرئيس للتوترات الأمنية والفتن والانقسامات وأهم أسباب التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ربما هناك مبالغة وتضخيم لظاهرة التشيع في الجزائر، وقد يكون غلام الله على حق فيما قاله بخصوص هذه الظاهرة، لكن هذا لا يمنع من التعامل مع المسألة بجدية أكبر حتى لا تصبح القضية بيد جهات أخرى كما حصل مع ظاهرة التنصير التي تحولت إلى أداة للضغط على الجزائر، ويكفي مراجعة التقارير التي تصدرها الخارجية الأمريكية سنويا بخصوص الحريات الدينية في العالم وانتقاداتها المتواصلة لما تعتبره تضييق على حرية المعتقد في الجزائر وكأن في الجزائر أقلية مسيحية كما هو الحال في بعض البلدان العربية على غرار لبنان مثلا. المسألة ترتبط إذن بوحدة الشعب الجزائري وأمنه وباستقرار البلد وتجنيبه الفتن المدمرة، ومن الخطأ بما كان أن تظل السلطة تتعامل مع هكذا قضايا بالتجاهل وأحيانا بالتكذيب واتهام من يتحدث عنها بأنه يثير القلاقل، فظاهرة التشيع وبغض النظر عن المستوى الذي بلغته، هي حقيقية وموجودة فعلا ومنذ سنوات، وظاهرة التنصير موجودة أيضا وتحاول الأطراف التي تقف وراءها استغلال الوضع السياسي والاجتماعي المضطرب للتمدد كما فعلت خلال مرحلة الإرهاب، وظاهرة الوهابية موجودة هي الأخرى حتى وإن تم استغلال »السلفية العليمة« لمواجهة »السلفية الجهادية« مع أن أصلهما واحد ومنبعهما واحد وأهدافهما قد تكون واحدة وان اختلفت المناهج.