وجّه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس انتقادات لاذعة للأطراف التي قال إنها تسعى لزرع الفتنة والبلبلة والترويج لصراع وهمي بين مؤسسات الدولة وفي هرم السلطة مستندة في طرحها المغرض إلى التغييرات التي مسّت بعض المناصب في المؤسسة العسكرية، وذهب بوتفليقة إلى الجزم بأن الجزائر بصدد مواجهة حرب إعلامية ممنهجة دعا الجزائريين ولا سيّما الذين يتولون مناصب مسؤولية إلى الحذر وعدم الوقوع في الفخ. عاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مجددا في الرسالة التي وجّهها إلى الأسرة الثورية أمس بمناسبة اليوم الوطني للشهيد إلى الجدل الذي تصدر مؤخرا الساحتين الإعلامية والسياسية وطال مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، معتبرا ما يجري وما يتداول عشية الاستحقاق الرئاسي أكبير بكثير من مجرد نقاش سياسي بل ذهب إلى الجزم بأن الأمر يتعلّق بحرب إعلامية ممنهجة ضد الجزائر ورئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي ودائرة الاستعلام والأمن. وأوضح الرئيس بوتفليقة في الرسالة التي قرأها نيابة عنه وزير المجاهدين محمد الشريف عباس »أن ما يثار من نزاعات وهمية بين هياكل الجيش الوطني الشعبي ناجم عن عملية مدروسة ومبيتة غايتها ضرب الاستقرار من قبل أولئك الذين يغيظهم وزن الجزائر ودورها في المنطقة«، ولم يخف أسفه من أن هذه العملية يوفر لها الظروف المواتية ما يصدر من البعض من سلوك غير مسؤول ومن البعض الآخر من عدم التحلي بالنضج تحت تأثير مختلف أوجه الحرب الإعلامية الجارية حاليا ضد الجزائر ورئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي ودائرة الاستعلام والأمن. ودعا رئيس الجمهورية »المسؤولين« في إشارة صريحة منه إلى الطبقة السياسية في الجزائر وكل الذين يتولون مناصب مسؤولية سواء في الجيش أو المؤسسات الدستورية إلى مواجهة هذا الخطر المحدق بالجزائر من خلال العودة إلى ضميرهم الوطني وأن يتساموا فوق كافة أشكال التوتر التي يمكن أن تطرأ بينهم، مشددا بالقول» إنه لا مناص من ذلك لضمان مستقبل الدولة ودفاعها وأمنها« كما دعا في المقابل المواطنين لأن يكونوا على وعي ودراية بالمآرب الحقيقية التي تتخفى وراء الآراء والتعليقات التي يعمد إليها باسم حرية التعبير والتي ترمي إلى غايات كلها مكر وخبث هدفها المساس باستقرار منظومة الدفاع والأمن الوطنيين وإضعافهما. وتوقف الرئيس بوتفليقة في رسالته عند دور ومهام المؤسسة العسكرية في الجزائر للرد على محاولات البعض الاستثمار في التغييرات التي أجراها بعد عودته من الرحلة الإستشفائية والتي طالت بعض المناصب في الجيش الوطني الشعبي والتي اعتبرتها بعض القراءات المغرضة بأنها استهداف مباشر لدائرة الأمن والاستعلام، موضحا بهذا الخصوص أن دائرة الاستعلام و الأمن يتعين عليها مواصلة الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها بصفتها جزء لا يتجزأ من الجيش الوطني الشعبي، منبها إلى أنه لا يحق لأحد تخريب الأعمدة التي يقوم عليها البناء الجمهوري والمكتسبات، ولم يتوان رئيس الجمهورية عن توجيه انتقادات للذين طالت ألسنتهم مؤسسات الدولة قائلا»لا يحق لأحد أنى كانت مسؤولياته أن يضع نفسه ونشاطه و تصريحاته فوق أحكام الدستور وقوانين الجمهورية« كما لا يحق لأحد مثلما يؤكد عليه رئيس الجمهورية أن يصفي حساباته الشخصية مع الآخرين على حساب المصالح الوطنية العليا في الداخل والخارج، مشدّدا على أن »عهد التنابز والتلاسن قد »ولىّ« داعيا إلى التصرف بالتي هي أفضل والتفرغ للتي هي أحسن. واعتبر بوتفليقة ما تناقلته بعض العناوين الإعلامية مجرد أراجيف ومضاربات تمس باستقرار الدولة والجيش الوطني الشعبي وأن الهدف من هذا التذكير هو تجديد التأكيد بوضوح وجلاء بأن دائرة الاستعلام والأمن تبقى مجندة تمام التجند في سبيل الأداء الأمثل للمهام الموكلة إليها شأنها في ذلك شأن هياكل الجيش الوطني، وقال إن بخطابه هذا توجه »بصراحة« إلى »هؤلاء وأولائك بقداسة ما يمليه الدستور و دماء الشهداء الزكية«. واستغل رئيس الجمهورية المناسبة لينتقد بشكل صريح ومباشر القراءات والتأويلات التي قدّمها البعض لعمليات الهيكلة التي خضعت لها دائرة الاستعلام والأمن والتي حاولت تقديمها إلى الرأي العام على أنها »قرينة« تنم عن وجود أزمة داخل الدولة وعلّق على هذه القراءة بأنها غير موضوعية وماكرة للوقائع، مبرزا بالقول »إن ما يجري من هيكلة في البلدان الأخرى لا يتعرض لأي تعليق يدعو بالثبور ويجانب الموضوعية أما في الجزائر فإن البعض يريد تقديم عمليات الهيكلة هذه على أنها قرينة تنم عن وجود أزمة داخل الدولة أو في وزارة الدفاع الوطني«. كما ذكر الرئيس بوتفليقة بأن إعادة الهيكلة هي عملية يتم اللجوء إليها مثلما هو جاري به العمل ومتداول في كل البلدان عند الاقتضاء وهو ما حصل سنة 2006 حين قرر هيكلة جهاز الأمن الوطني، وأضاف هذا الإطار »يجب أن يعلم المواطنون أن جهاز الأمن الوطني الذي هو محل تعليقات تعددت طبيعتها ومصادرها تحكمه نصوص تنظيمية تحدد مهامه وصلاحيته تحديدا دقيقا على مستوى الدولة و على مستوى وزارة الدفاع الوطني على حد سواء«. وأكد بوتفليقة مجددا على أنه لا يحق لأحد مهما كانت مسؤولياته التطاول على المؤسسات الدستورية للبلاد التي لا تضطلع إلا بواجبها في خدمة الأمة ليس إلا«. ومن وجهة نظر القاضي الأول للبلاد فإن التصدي لكل مساس باستقرار الأمة يكون بالعودة إلى الروح الوطنية، قائلا »أمام هذه الأخطار الجديدة الناجمة عن الشحناء والتناحر يبن الرؤى المتناقضة والفتنة التي تثيرها المناوءات بين المواقف ,يتعين علينا جميعا , من حيث إننا مواطنون ,العودة إلى الروح الوطنية التي لا تخبو شعلتها للتصدي لكل مساس باستقرار الأمة من حيث أتى«، محذرا في نفس الوقت المواطنين من المواقف الداعية إلى زرع البلبلة نشر أطروحات هدامة مدعية بها وجود صراعات بين مؤسسات الجمهورية. وأكد رئيس الدولة أن المواقف التي جاهر بها هؤلاء وأولئك قد تدخل في خانة حرية التعبير المكرسة بمقتضى الدستور, لكن حينما تحاول هذه المواقف ,التي يستلهم بعضها من المصادر معادية للجزائر, زرع البلبلة و نشر أطروحات هدامة مدعية بها وجود صراعات بين المؤسسات الدستورية كرئاسة الجمهورية وداخل وزارة الدفاع الوطني, وبين مكونات الجيش الوطني الشعبي فانه يصبح لزاما على كل المواطنين أن يدركوا خطر ضرب الاستقرار الذي تنطوي عليه مثل هذه المساعي , التي تندرج في إطار عملية تضليل العقول والاستغلال الخبيث للوقائع، وشدد الرئيس على أن المقصود من هذا الوضع هو الفت في ساعد الجزائر التي نجحت بالفعل , بفضل التوافق الموجود بين مختلف مؤسساتها ,في تعزيز الدولة التي كانت فريسة لشرور جائحة الإرهاب, وفي إعادة الأمن و الاستقرار اللذين لا سبيل إلى تطوير البلاد من دونهما.