فضل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مباشرة العهدة الرابعة بعد تشكيل حكومة جديدة، بفتح النقاش حول التعديل الدستوري، وهي خطوة تعكس رغبة حقيقية في الانتقال بالبلد خلال الشهور والسنوات المقبلة نحو وضع أحسن من ناحية الممارسة الديمقراطية والتمتع بالحقوق والحريات، مما يؤكد مجددا الصدق في جعل الولاية الرئاسية الجديدة معبرا للتغيير السلس والحقيقي إعلان الطاقم الحكومي الجديد بقيادة الوزير الأول عبد الملك سلال، فاجأ الكثير من المراقبين الذين توقعوا حكومة سياسية موسعة تشمل بعض التشكيلات السياسية المعارضة، ويبدو أن الرئيس بوتفليقة فضل هذه المرة حكومة بدون لون أو سياسي، والهدف هو تفادي إحراج الأحزاب الكبرى التي يحق لها أخلاقيا وسياسيا أن تصر على نصيبها من الحقائب باعتبار ذلك نابع من صلب الممارسة الديمقراطية، فضلا عن الحق المشروع المكفول لإطارات ومناضلي هذه الأحزاب الذين بذلوا الكثير من الجهد خلال معركة الرئاسيات ومواجهة خصوم العهدة الرابعة الذين خرج الكثير منهم هذه المرة عن حدود المعارضة التقليدية المعروفة إلى محاولة احتلال الشارع ورسم صورة غير لائقة عن الممارسة الديمقراطية في الجزائر. خطاب الموالاة يصف حكومة سلال الجديدة بأنها حكومة كفاءات، ودليله في ذلك أنها ضمت وجوها تكنوقراطية ليس لها توجه سياسي معروف، واعتبر البعض انطلاقا من هذا الوضع أن الحكومة الجديدة إنما هي حكومة انتقالية تكلف بتسيير الوضع إلى حين تعديل الدستور. هذا يعني، في تقدير الموالاة أن الحكومة الحالية ستتكفل أساسا بإنجاح التعديل الدستوري، وعليه فإن الرئيس سيعلن عن حكومة جديدة بعد ذلك تكون منسجمة مع الدستور الجديد الذي يرتقب أن يكرس نظاما رئاسيا أو شبه رئاسي، لكنه يمنح فسحة اكبر للبرلمان وللأغلبية التي يعود لها تشكيل الحكومة وتسييرها، لكن في نظر المعارضة فإن الحكومة الحالية لا يمكن أن تكون حكومة كفاءات، وحجتهم في ذلك أن الوزراء الجدد شخصيات مغمورة ومن الإطارات المتوسطة التي يجهل الجميع مسارها المهني، ولعل أكثر ما يجلب الانتباه في الحكومة الجديدة هو أنها ضمت سبعة نساء لأول مرة، وتوسعت جغرافيا، وللمرة الأولى يتم تعيين وزيرة من التوارق، فحقيبة الصناعات التقليدية التي منحت لسيدة من الجنوب هي الأصغر سنا بين باقي الوزراء، يعني أن هناك قناعة لدى السلطة بأن التمثيل الجهوي لم يصل إلى المستوى المرغوب، فما دام هناك إطارات من الجنوب الكبير فما المانع من أن تتبوأ مناصب وزارية في الدولة؟ لقد أثار البعض مباشرة بعد الإعلان عن الطاقم الوزاري الجديد مسألة في غاية الأهمية تتعلق بإشراك المعارضة في الطاقم الوزاري الجديد، وجرى الحديث عن رفض جبهة القوى الاشتراكية وأحزاب أخرى على غرار حزب العمال المشاركة في الحكومة الجديدة، مع أن الجميع يعرف بأن حزبا مثل الأفافاس لا يقبل بالمشاركة، وقد صرح سكرتيره الأول بطاطاش قائلا بأن الأفافاس لن يقبل دخول الحكومة حتى لو أعطيت له نصف الحقائب، وهذ موقف معروف دافع عنه حزب حسين أيت أحمد على مر العقود الماضية. لقد شكل مجلس الوزراء الأخير فرصة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ليؤكد على جملة من الخيارات المتعلقة بالمسار الذي ستأخذه العهدة الرئاسية الرابعة وأولوياته خلال هذه العهدة، وفضلا عن الحرص الذي أبداه الرئيس فيما يتعلق بضرورة الاستجابة لأهم المطالب الاجتماعية الملحة، وتركيزه أيضا على الجانب الاقتصادي لبناء اقتصاد قادر على خلق الثروة، اقتصاد متحرر من الخامات، تحدث بوتفليقة عن الدستور الجديد، وكلف مدير ديوانه رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى بقيادة المشاورات مع الأحزاب والجمعيات للخروج بدستور توافقي انطلاقا من أرضية المشروع الذي أعدته لجنة الخبراء والذي سيعرض على الطبقة السياسية في منتصف ماي الجاري. دعوة الفاعلين السياسيين والجمعويين إلى المشاركة في إثراء مشروع الدستور الجديد نابع من إرادة في وضع دستور يستجيب للمطالب المتعلقة بالتغيير، ويهدف بالدرجة الأولى إلى ضمان الانتقال الديمقراطي الحقيقي، فالدستور الجديد سوف يستهدف مسالتين أساسيين هما تكريس الممارسة الديمقراطية من خلال الفصل بين السلطان، وتوسيع مجال الحقوق والحريات، وهي مسائل شكلت مركز اهتمام أحزبا المعارضة وانتقاداتها للسلطة وتعتبر أهم المطالب المعبر عنها لتحقيق التغيير المنشود والإصلاح السياسي والدستوري الذي شرع فيه منذ سنة .2011 ويعكس التصريح الذي أدلى به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمام مجلس الوزراء دعا فيه »المجتمع الجزائري إلى التحلي باليقظة وإلى مساندة الجيش والقوات الأمنية في تصديهما للإرهاب، بعد إحباط محاولة اختراق إرهابي خاضها الجيش في ناحية تينزواتين بتمنراست..« أهمية العملية العسكرية التي نفذها الجيش والتي سمحت بتجنيب البلد تكرار سيناريو الاعتداء الإرهابي الذي استهدف المنشأة الغازية ب »تيقنتورين« بإن أميناس في جانفي من العام المنصرم، وكان بيان لوزارة الدفاع الوطني قد أكد مقتل 10 إرهابيين في عملية للجيش الوطني الشعبي ب »تاوندرت« غرب تينزاواتين بولاية تمنراست بأقصى الجنوب الجزائري، ينحدر عناصرها من جنسيات ماليةوتونسية وليبية، واسترجع الجيش خلال هذه العملية ترسانة جد هامة من السلاح والذخيرة، وتعكس جنسيات العناصر الإرهابية التي تم القضاء عليها طبيعة المؤامرة التي تحاك ضد الجزائر، ونوعية الطبخة التي يجري الإعداد لها في دول الجوار سواء في ليبيا أو شمال مالي، وهي مناطق أصبحت تشكل خطرا مباشرا على أمن الجزائر واستقرارها. عملية تينزاواتين، حتى وإن أكدت نجاعة المخطط الأمني الذي وضع منذ سنة لتأمين الحدود وتفادي تكرار اعتداء »تيقنتورين«، سوف تدفع بالسلطات إلى المزيد من التفكير لتحصين الحدود أكثر فأكثر، فالشريط الحدودي الممتد من تونس وليبيا شرقا، إلى مالي جنوبا أصبح منفذا لكل ألأنواع الشرور التي استهدفت وقد تستهدف الجزائر في المستقبل، فهذا السفير الأمريكي في الجزائر هنري إينشر يعترف بخطورة الوضع في منطقة الساحل وبضرورة التعاون مع دول المنطقة وفي مقدمتهم الجزائر لمواجهة »الجهاديين«.