أغلقت عديد الدول من بينها الجزائر سفارتها بليبيا نتيجة الانفلات الأمني، ما هي قراءتكم لهذه المستجدات وتداعيات القرارات التي اتخذتها هذه البلدان؟ واضح لكل ذي بصيرة أن الفوضى الليبية العارمة أدت إلى اضمحلال الدولة وهذه الفوضى ليست عفوية ذلك أن الحلف الأطلسي الذي أطاح بالعقيد معمر القذافي كان يعرف أن ما بعده يحتاج إلى إعادة بناء وتأسيس وأن الحلف الأطلسي بوصفه قوة احتلال يجب أن يتولى هذه المهمة كما فعلت واشنطن في العراق عندما أسست دويلة عراقية في المنطقة الخضراء لكن الأطلسي بتحطيمه النظام السابق ودولته دون بديل أراد انتشار الفوضى والتفتيت فيحقق غرضه بتدمير ليبيا دون أن يدفع ثمنا باهظا كما حصل في العراق. هكذا تعيش ليبيا اليوم بلا دولة والأدلة كثيرة من بينها انتشار الميلشيات على نطاق واسع و تعذر تشكيل حكومة وتعذر بقاء البرلمان في مبناه الرسمي و تعذر سلطة الوزراء وتشرذم الجيش وتولي الناس حماية أنفسهم بأنفسهم.... في هذه الحال كيف يمكن لسفير أن يعمل ومع من ولماذ؟ لذا من الطبيعي أن يغادر السفراء طرابلس الغرب وألا يبقى متسع لعمل دبلوماسي . أما عن تداعيات هذا القرار فأهمها أن الدول المعنية فقدت ثقتها بتحالف الإخوان والليبراليين الذي يحكم ليبيا بعد القذافي . ليبيا لم تعرف الاستقرار منذ سقوط النظام السابق إلى درجة أنها تشهد تصعيدا أمنيا خطيرا، ما تعليقكم؟ التصعيد الأمني ناجم عن أسباب عديدة أولها تهديم الدولة السابقة وليس النظام فحسب ما أدى إلى انتشار الميلشيات والألوية التابعة للقبائل أو لأفخاذ منها ومحاولة كل لواء حماية و تحصين قبيلته أو فخذه بمواجهة الآخرين أو بالهيمنة عليهم. والسبب الثاني ناجم عن افتقار البلاد لمرجعية سياسية صادقة وجديرة بالثقة .والسبب الثالث ناجم عن إصرار الإخوان والليبراليين على التمسك بالسلطة مستندين إلى دعم حصري من ميلشيات مصراتة الأمر الذي يتسبب بمجابهات لمنازعة مصراتة أولويتها على غيرها في الحكومة الراهنة والسبب الرابع ناجم عن خسارة حوالي مليوني ليبي امتيازاتهم جراء ضرب النظام السابق والسبب الخامس ناجم عن خوف ضباط الجيش السابق من تكرار محاولات القتل والاغتيال بتهمة الانتماء إلى النظام الراحل والسبب السادس ناجم عن صراع الأطراف الخارجية بوسائل وميليشيات ليبية واعني بذلك قطر وتونس والخليج ومصر والجزائر. والسبب السابع ناجم عن ارتباط الميليشيات بإيديولوجيات تكفيرية شأن أنصار الشرعية التي تعتبر الديمقراطية نظام يستحق الشنق هو ومن يعتنقه وبالتالي لا يمكنها أن تتعايش معه سلما والسبب السابع ناجم عن انتشار السلاح والإرهاب على نطاق واسع. يتزامن الانفلات الأمني في ليبيا مع تجدد الاشتباكات في شمال مالي، ما هي انعكاسات ذلك على الجزائر؟ نحن نعرف آن ليبيا وبخاصة جنوبها تحول إلى ملاذ آمن وقاعدة مركزية للجماعات التكفيرية المسلحة في شمال إفريقيا والساحل وتحتفظ هذه الجماعات بإستراتيجية إرهاب وقتال إقليمية وربما دولية وبالتالي لا تلتزم في عملياتها العسكرية بحدود الدول وبما أن هذه الجماعات وقعت باسمها عملية دموية في عين أم الناس العام الفائت فمن غير المستبعد أن تكرر المحاولة في أماكن أخرى ناهيك عن ارتفاع نسبة الاختراقات الحدودية. كيف يمكن مواجهة هذه الأوضاع الأمنية المتوترة على الحدود؟ المواجهة بدأت بمبادرة الجزائر إلى إعلان الاستنفار على حدودها مع ليبيا ومالي .. ليس للجزائر خيار آخر غير مجابهة هذه الجماعات ومن الأفضل ربما أن يتم ذلك بالتنسيق مع مصر وتونس وهي البلدان الأكثر تضررا من الانفلات الأمني الليبي ، وان صح أن ضباطا من البلدان الثلاثة سيجتمعون في القاهرة أو اجتمعوا في الأيام الماضية فمعنى ذلك أن الاجتماع قد انطوى أو سينطوي على تنسيق عسكري ثلاثي إذا ما تم يمكن اتقاء شر هذه الجماعات بنسبة كبيرة، أما على الصعيد السياسي فلربما توجب عزل الحكم الحالي في الجامعة العربية ونزع الثقة منه. وتحويل المعركة مع الجماعات المسلحة من معركة محلية إلى معركة مغاربية أو افريقية مدعومة من المجتمع الدولي . كيف تقرؤون زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى الجزائر في هذا الوقت؟ اعتبرت فرنسا أنها حققت انتصارا كبيرا في مالي ضد الجماعات المسلحة العام الفائت وهي لا تريد خسارة هذه الانتصار الذي ما كان له أن يتم بدون رضى الجزائر ما يعني أن باريس لا يمكنها تجاوز هذا البلد مع استئناف الحديث عن عودة المسلحين للتحرك في مالي، في السياق نفسه نحن نعرف أن فرنسا كانت في طليعة الدول التي شاركت بالإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي وتعتبر نفسها معنية بما يدور في ليبيا وبخاصة تأثير التطورات الليبية على الأوضاع في مالي ولعل وزير الدفاع الفرنسي أراد من خلال هذه الزيارة التنسيق مع الجزائريين في هذا الملف أيضا.