الخميس الثقافي: في البداية وقبل التطرق الى السياسة الثقافية في الجزائر, ما هو المنظور الذي تحدد وفقه وجود من عدم وجود سياسة ثقافية في أي بلد؟ د. عمار كساب: المنظور الذي تحدد وفقه الهيئات الدولية كاليونسكو وجود من عدم وجود سياسة ثقافية في أي بلد هو وجود نص قانوني مصادق علية من طرف الحكومة يعرف الثقافة الوطنية، يحدد أهداف الفعل الثقافي والوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف. للتذكير فإن السياسة الثقافية هي تعريف وتجسيد مفهوم الثقافة حسب ما تمليه الحركة الثقافية الوطنية، من طرف الدولة، بما يخدم المواطنين، ويحترم حقوق المبدعين. هي مجموعة الوسائل التقنية التي تسمح بتجسيد مفهوم الثقافة الوطنية وتحقيق أهداف الدولة في المجال الثقافي بما يمليه المجتمع المدني بهدف تنشيط القطاع الثقافي. الخميس الثقافي: اعتمادا على ذلك، هل يتحقق هذا المنظور في الجزائر؟ د. عمار كساب: للأسف لا لأنه لا يوجد أي نص رسمي يعطي تعريفا صريحا للثقافة في الجزائر وحتى الأهداف التي تقام من أجلها الفعاليات الثقافية والفنية الرسمية. هذه الوضعية مقصودة لأن النظام في الجزائر يعرف جيدا أهمية السياسة الثقافية ووضع سياسية ثقافية للبلاد تورطه أولا في الإعتراف الرسمي بالتنوع الثقافي في الجزائر وكذلك في وضع معايير دقيقة لتحقيق أهداف تتطلب التدقيق في المال العام. الخميس الثقافي: بكل موضوعية ومن دون اية رغبة في تصفية أي حساب,ما هي المطبات التي وقعت فيها خليدة تومي وهي وزيرة ثقافة؟ د. عمار كساب: ليس لدي أي حساب لأصفيه مع أحد لأنني لم أتعامل إطلاقا مع هذه الوزيرة أو الوزارة التي بقيت على رأسها لمدة 21 سنة كاملة. أما المطبات التي وقعت فيها فكثيرة، وربما أخطرها كانت تقييد حرية الإبداع الفني وحرية العمل الثقافي من خلال إستراتيجية هيمنة إعتمدت خاصة على التشريع في المجال الثقافي. ففي مدة حكمها نشر مالا يقل على 0051 نص تشريعي وتنظيمي يصب معظمها في وضع أطر إدارية بيروقراطية للحصول على رخص لتصوير الأفلام ونشر الكتب وتنظيم العروض الفنية والمهرجانات، إلخ، قتلت بها المبادرات المستقلة. لا يفوتني ذكر كذلك حملات التشوية والمضايقات التي تعرض لها حاملو المشاريع المستقلة. الخميس الثقافي: لو اردنا وضع ترتيب لجدوى سياستنا الثقافية، أي مرتبة ستحتل في المغرب العربي اولا، افريقيا والوطن العربي؟ د. عمار كساب: الترتيب صعب خاصة وأنه كما قلت لك أن الجزائر تفتقد لسياسة ثقافية. الآن إذا أردنا المقارنة مع دول أخرى مغاربية أو عربية أو إفريقية فيما يخص حرية ونوعية الفعل الثقافي وقوة إستقطابه للجماهير، يمكن أن أقول لك أن الجزائر بعيدة جدا على تونس التي أقيم فيها منذ ثلاث سنوات أو على دولتي البنين أو مالي اللتين أعرفهما جيدا. الجزائر تقترب في فقر ساحتها الثقافية الذي تطغى عليها صفة الرسمية من الساحة الثقافية السودانية أو الساحة الثقافية لدولة زيمبابوي التي يحكمها الديكتاتور روبرت موقابي. الفرق الوحيد مع هذه الدول هو أن الجزائر لها أكبر ميزانية ثقافة في إفريقيا والمنطقة العربية بمعدل 003 مليون دولار سنويا، أي حوالي ثلث ميزانية دولة كدولة مالي مثلا. الخميس الثقافي: ما الذي يجب ان تعمله الوزيرة الحالية لإنعاش القطاع؟ د. عمار كساب: بإختصار شديد، يجب عليها عدم مواصلة إستراتيجية الوزيرة السابقة، تحرير القطاع الثقافي المستقل ورسم سياسة ثقافية واضحة. المهة لن تكون سهلة ! الخميس الثقافي: ما هي اهم تطلعاتك كمهتم بالشأن الثقافي في الجزائر؟ د. عمار كساب: أؤمن أن الثقافة لن تقوم لها قائمة في الجزائر إلا إذا رفعت الدولة يدها عن القطاع واقصرت على الدور المخول لها بقوة القانون، وهو تنظيم القطاع الثقافي والكف عن لعب دور المنشط. أحلم بساحة ثقافية تعج بالجمعيات الثقافية التي تنظم الملتقيات الفكرية والشعرية والمهرجانات الموسيقية والمسرحية والمعارض التشكيلية بعيدا عن أي وصاية أو رعاية رسمية. أتطلع إلى غد مشرق تسطع في سمائه شمس ثقافتنا وتمطر إبداعا يصفي القلوب للنهوض ببلدنا الغالي.