لا أحب أن أمسك بالقلم وأنا في حالة من حالات التوفز العصبي، لكن، لا بد مما ليس منه بد في بعض الأحيان. دخلت في حوار سياسي مع بعض الزملاء حول موضوع القتل السياسي في العالم العربي، بل، وفي العالم برمته. خلص البعض منهم إلى أن مثل هذا القتل ضرورة من ضرورات الدولة في بعض الأحيان، وتراوحت آراء آخرين بين محبذ ومناوئ لأية فكرة من أفكار القتل السياسي. أما أنا، فلم أتمالك نفسي، إذ وثبت بينهم، وقلت لهم بالحرف الواحد: يا جماعة، أنا قرآني النزعة في هذا الشأن. القتل حرام، أيا ما كان سببه. راجعوا التاريخ لكي تدركوا أنه سبب خرابنا في هذا العالم العربي أولا وأخيرا. أن يقتل هذا الحاكم أو ذاك سياسيا مناوئا له بذريعة البقاء على الكرسي ثم بناء الدولة ، فذلك أمر لا يتقبله عقلي، ولن يتقبله أبد الدهر. وتلوت على الجماعة الآية القرآنية الكريمة التي تقول: من قتل نفسا أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.. وبالفعل، البناء بعد القتل أمر مستحيل. ولقد رأينا كيف اضطربت الأمور حين سعى بعض الحكام والسياسيين إلى قتل خصومهم حرقا وخنقا وطعنا منذ نشأة الدولة الإسلامية الأولى. ورأينا كيف لقي القتلة حتوفهم بعد ذلك. -أصيب العديد من السياسيين في مقاتلهم لأنهم تجرأوا ووقفوا في وجوه أولئك الذين استبدوا بالحكم، أو لأنهم عارضوا أفكارهم. وفي كل مرة، ازدادت الأمور تضعضعا، وصارت بعض البلدان عرضة كل طامع في خيراتها. وذلك ما يحدث في عالمنا العربي. عارضني أحد الزملاء بحجة أن البرامج السياسية لا يمكن وضعها موضع التطبيق إلا بالقوة. وهنا انبريت له وفندت رأيه بالعديد من الأمثلة التي عشناها في حياتنا السياسية خلال العقود الماضية. سألته: هل نجحت الثورة الزراعية عندنا على سبيل المثال؟ لقد اندثرت اندثارا كليا من واقعنا الاجتماعي، بل إن الرئيس هواري بومدين ما عاد يجري له ذكر في حياتنا السياسية. وأضفت بقولي: لو كنت متابعا حقيقيا لمجريات الحياة السياسية عندنا في مطالع السبعينات من القرن المنصرم، لكنت اطلعت على ما جاء في افتتاحية مجلة الجيش في عام ,1971 أي يوم انطلاق الثورة الزراعية عندنا. جاء في هذه الافتتاحية أن كل من يتعرض بسوء للثورة الزراعية فإن الجيش يضع حدا له. وكان ذلك إيذانا بأن الثورة الزراعية لن تنجح أبدا. وقد فشلت بالفعل، لأن القوة العجماء كانت وراءها، وما كان الفلاحون المضطهدون ليقووا على حمايتها والسير بها قدما إلى الأمام. وختمت حديثي مع الجماعة بأن مصيبتنا لا حل لها أبدا طالما ظلت أفكار القتل السياسي تعشش في أذهان بعض السياسيين وأشباه الحكام. أتراني تمالكت نفسي حين تحدثت إلى أولئك الزملاء؟ لست أدري. الأمر الذي أنا واثق منه هو أن الجريمة السياسية قصيرة النفس إن صح التعبير، ويستحيل أن تقوم معها دولة أبدا.