اجتاز حزب جبهة التحرير الوطني أمس واحدة من الامتحانات الصعبة، وخرج كما في كل مرة منتصرا، من خلال التئام اللجنة المركزية بأغلبية أعضائها، برئاسة عمار سعداني الأمين العام للحزب، حيث طوت نهائيا صفحة الأزمة التي لقد أراد البعض تحويل دورة اللجنة المركزية إلى قنبلة انشطارية تودي بالحزب وقيادته، إلا أن الاجتماع انعقد في توقيته، وساده الهدوء والإصرار على تفضيل مصلحة الحزب والتوجه نحو المستقبل وعدم العودة إلى الوراء، حيث الأزمة والفتنة والصراع والفراغ. إن انعقاد الدورة، بجدول أعمالها المحدد، وانتصار أعضاء قيادة الحزب للشرعية القائمة، كل ذلك يشكل انتصارا ليس لشخص الأمين العام، بل لحزب جبهة التحرير الوطني الواحد أولا ولجميع أعضاء اللجنة المركزية والإطارات والمناضلين الذين أرقهم الصراع والفرقة وبذلوا ما استطاعوا من جهد من أجل رؤية اللجنة المركزية تنعقد بسلام وتطوي صفحة الخلافات نهائيا. وبصرف النظر عن الحيثيات والملابسات التي رافقت هذه الدورة، وعن الأجواء التي صاحبت انعقادها، فقد خرج الحزب سالما معافى، وكله عزم على تجاوز الخلافات وتمتين الوحدة وعدم رهن وجود ومستقبل الحزب على طموحات شخصية ورؤى ضيقة وسلوكات تتنافى مع أخلاقيات النضال وتتعارض مع القوانين التي تحكم سير الحزب وتضبط تسييره. فيما عدا الأبواق المعتادة المعادية لخط حزب جبهة التحرير الوطني، فقد تنفس كل المناضلين والمتعاطفين الصعداء، بعد أن تمكنت قيادة الحزب، من اجتياز هذا الامتحان، إذ اضطلعت اللجنة المركزية بمسؤوليتها كاملة ومارست دورها بكل سيادة، بأغلبية واضحة وقوية وإصرار كبير، على عدم طرح مسألة الشرعية أو محاولة الطعن فيها، مما يؤكد مجددا التفاف ودعم القيادة للأمين العام في تحضير مستقبل الحزب وتكريس ريادته وتمكينه من أداء مهامه السياسية باقتدار وتميز. وهذا ما يملي على الجميع التجند من الآن لإنجاح المصالحة التي التزم بها الأمين العام للحزب، في كنف الهدوء والثقة، تلتف من حولها كل قوى الحزب، لنثبت للعام والخاص، للمرة كذا، أن حزب جبهة التحرير الوطني سيظل الحزب الموحد، الأعرق والأكبر والأكثر ديمقراطية، وأيضا الحزب الذي يناضل من أجل مصلحة الجزائر، التي هي في غنى عن أي تشنج واضطراب في هذه المرحلة المتسمة بالتحديات والتحولات الكبرى في محيط وطني ودولي يعج بالأحداث والمتغيرات. إن نتائج دورة اللجنة المركزية يجب أن تكون الفرصة المواتية لأن يلتزم الجميع بقواعد الانضباط ويخضع لإرادة الأغلبية وينتصر لمصلحة الحزب أولا وأخيرا والابتعاد عن المهاترات والجدل العقيم وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الحزب والإنقاص من نجاحه وعرقلة مساره وتضييع اهتماماته في خلافات غير مؤسسة وخارجة عن الأطر الشرعية. لقد أكدت التجارب وسنن الحياة أن المسؤولية دول بين المناضلين، إنها متغير دائم ومستمر، بيد أن الحزب هو وحده الثابت باعتباره ملكا للمناضلين، لذلك فإن اجتماع اللجنة المركزية ليس نهاية المطاف، بل هو المنطلق لتحقيق جملة من الأهداف المستعجلة، في مقدمتها دعم وحدة الحزب وتهيئة الأجواء الملائمة لانطلاقة جديدة، تمكنه من المساهمة الفعالة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، بما يدعم مؤسسات الدولة ويخدم الجزائر. إذن، لقد جددت اللجنة المركزية مرة أخرى انتصارها للشرعية وأكدت دعمها المطلق للأمين العام في تنفيذ خارطة طريق، واضحة المعالم ومحددة الأهداف، ترمي إلى تدعيم الحزب بالمزيد من عناصر القوة التي، تعزز موقعه كتشكيلة سياسية كبرى، منسجمة مع العصر ورهاناته. وفي سياق هذه الأهداف الكبرى، يندرج المؤتمر العاشر للحزب الذي، أكد الأمين العام بشأنه بأنه سيكون فرصة لا تعوض لرسم الآفاق وتحصين الحزب من مخاطر الفرقة والانقسام، وبما يضمن تعزيز وحدة الحزب وبلورة رؤية مستقبلية، تستجيب لرسالة الأمل المعلقة على حزب جبهة التحرير الوطني. فلتكن دورة اللجنة المركزية إيذانا بالانصياع للشرعية وطرح الخلافات والأفكار والمبادرات داخل الأطر النظامية بكل حرية، لأن ذلك يشكل ثراء للحزب، بعيدا عن السلوكات السلبية والعبثية المتنافية مع روح النضال والتي لا تليق بحزب في مستوى وتاريخ حزب جبهة التحرير الوطني. ¯ التحرير