لم ينكسر ولم ينحن ولم ينقسم، حتى وإن بدا أن هناك خلافات عميقة، حزب جبهة التحرير الوطني الذي ظل يتلقى الضربات من خصومه وكذلك من جنباته، اجتاز الخميس الماضي واحدة من الامتحانات الصعبة والقاسية، وخرج كما في كل مرة مرفوع الرأس كالعادة. الاجتماع العادي للجنة المركزية الذي أراد البعض تحويله إلى قنبلة انشطارية تودي بالحزب وقيادته، تحوّل إلى اجتماع سادته الديمقراطية والحوار، رغم ما شابه من توتر واحتكاك، توصل خلاله أعضاء اللجنة المركزية إلى حلول توافقية، وهذا في حد ذاته يشكل انتصارا ليس لشخص أو تيار، إنه انتصار لحزب جبهة التحرير الوطني أولا ولجميع المناضلين الذي أرقتهم الأزمة والفرقة وبذلوا ما استطاعوا من جهد من أجل رؤية اللجنة المركزية تنعقد بسلام وتطوي صفحة الخلافات نهائيا. وبصرف النظر عن الحيثيات والملابسات التي رافقت هذه الدورة العادية للجنة المركزية، وعن الأجواء المشحونة التي صاحبت انعقادها، فقد خرج الحزب سليما معافى، إلا من بعض الكدمات والخدوش التي لا تلبث، أن تندمل ويعود المناضل للمناضل رفيقا أمينا، والقيادي للقيادي أخا شقيقا، فالأيام والتحديات المقبلة كفيلة بأن تعيد اللحمة بين المناضلين مهما اختلفت الآراء وتعددت الرؤى. أغلب المراقبين المتابعين للساحة السياسية والحزبية، يرجحون أن تكون المتاعب التي عرفها الحزب في الشهور الأخيرة، إنما هي طبيعية تتعرض لها معظم الأحزاب الكبيرة في لحظات تاريخية معينة، وما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بحزب تاريخي عريق ومتوغل في أوساط المجتمع وتتدافع في صفوفه النخب والطموحات. فيما عدا الأبواق المعتادة المعادية لخط حزب جبهة التحرير الوطني، فقد تنفس كل المناضلين والمتعاطفين الصعداء، بعد أن تمكنت قيادة الحزب، من تسيير الاحتقان بحكمة وصبر، إذ مارست اللجنة المركزية دورها كاملا عبر الصندوق الشفاف وتحملت مسؤوليتها في إنهاء الصراع في إطار تنظيمي داخل مؤسسات الحزب، وهذا ما يملي على الجميع التجند من الآن لإنجاح الدورة المقبلة للجنة المركزية، في كنف الهدوء والثقة، وانتخاب أمين عام جديد، تلتف من حوله كل قوى الحزب، لنثبت للعام والخاص، للمرة كذا، أن حزب جبهة التحرير الوطني سيظل الحزب الأعرق والأكبر والأكثر ديمقراطية وتداولا على المسؤولية.. وأيضا الحزب الذي يناضل من أجل مصلحة الجزائر، التي هي في غنى عن أي تشنج واضطراب في هذه المرحلة الحرجة إقليميا ودوليا. إن اجتماع اللجنة المركزية المرتقب في مقبل الأيام يجب أن يكون الفرصة المواتية لأن تتطهر كل الأطراف من أدرانها، وأن يعود الصفاء والود بينها وأن تنتصر مصلحة الحزب أولا وأخيرا. لقد أكدت التجارب وسنن الحياة أن المسؤولية دول بين المناضلين، إنها متغير دائم ومستمر، بيد أن الحزب هو وحده الثابت باعتباره ملكا للمناضلين جميعا، وذلك هو الدرس الذي ينبغي أن نتعلمه من امتحان الصندوق.