اجتاز حزب جبهة التحرير الوطني الخميس الماضي واحدة من الامتحانات الصعبة والقاسية، وخرج كما في كل مرة منتصرا، من خلال التئام اللجنة المركزية وتزكية عمار سعيداني أمينا عاما للحزب، بعد شهور من الأزمة ومن شغور منصب الأمانة العامة. اجتماع اللجنة المركزية الذي أراد البعض تحويله إلى قنبلة انشطارية تودي بالحزب وقيادته، تحوّل إلى اجتماع ساده الهدوء والإصرار على المصالحة ورص صفوف الحزب، توصل خلاله أعضاء اللجنة المركزية إلى تجاوز الأزمة التي دامت أكثر من سبعة أشهر، وهذا في حد ذاته يشكل انتصارا ليس لشخص الأمين العام الجديد أو تيار معين أو مجموعة محددة، إنه انتصار لحزب جبهة التحرير الوطني الواحد أولا ولجميع أعضاء اللجنة المركزية والإطارات والمناضلين الذي أرقتهم الأزمة والفرقة وبذلوا ما استطاعوا من جهد من أجل رؤية اللجنة المركزية تنعقد بسلام وتنتخب أمينا عاما وتطوي صفحة الخلافات نهائيا. وبصرف النظر عن الحيثيات والملابسات التي رافقت هذه الدورة، وعن الأجواء التي صاحبت انعقادها، فقد خرج الحزب سليما معافى، إلا من بعض الخلافات التي لا تلبث، أن تزول ويعود المناضل للمناضل رفيقا أمينا والقيادي للقيادي أخا شقيقا، فالأيام والتحديات المقبلة كفيلة بأن تعيد اللحمة بين المناضلين مهما اختلفت الآراء وتعددت الرؤى. أغلب المراقبين المتابعين للساحة السياسية والحزبية، يرجحون أن تكون المتاعب التي عرفها الحزب في الشهور الأخيرة، إنما هي طبيعية تتعرض لها معظم الأحزاب الكبيرة في لحظات تاريخية معينة، وما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بحزب تاريخي عريق ومتوغل في أوساط المجتمع وتتدافع في صفوفه النخب والطموحات. فيما عدا الأبواق المعتادة المعادية لخط حزب جبهة التحرير الوطني، فقد تنفس كل المناضلين والمتعاطفين الصعداء، بعد أن تمكنت قيادة الحزب، من اجتياز امتحان صعب، إذ مارست اللجنة المركزية بأغلبية أعضائها دورها وتحملت مسؤوليتها في إنهاء الصراع، وهذا ما يملي على الجميع التجند من الآن لإنجاح المصالحة التي التزم بها الأمين العام للحزب، في كنف الهدوء والثقة، تلتف من حولها كل قوى الحزب، لنثبت للعام والخاص، للمرة كذا، أن حزب جبهة التحرير الوطني سيظل الحزب الموحد، الأعرق والأكبر والأكثر ديمقراطية وتداولا على المسؤولية، وأيضا الحزب الذي يناضل من أجل مصلحة الجزائر، التي هي في غنى عن أي تشنج واضطراب في هذه المرحلة الحرجة إقليميا ودوليا. إن نتائج دورة اللجنة المركزية يجب أن تكون الفرصة المواتية لأن تتطهر كل الأطراف من أدرانها، وأن يعود الصفاء والود بينها وأن تنتصر مصلحة الحزب أولا وأخيرا. لقد أكدت التجارب وسنن الحياة أن المسؤولية دول بين المناضلين، إنها متغير دائم ومستمر، بيد أن الحزب هو وحده الثابت باعتباره ملكا للمناضلين، لذلك فإن اجتماع اللجنة المركزية ليس نهاية المطاف، بل هو المنطلق لتحقيق جملة من الأهداف المستعجلة، في مقدمتها دعم وحدة الحزب وتحقيق المصالحة وتهيئة الأجواء الملائمة لانطلاقة جديدة، تمكن حزب جبهة التحرير الوطني من المساهمة الفعالة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، بما يدعم مؤسسات الدولة ويخدم الجزائر.