هذا الأسبوع، وأنا أنقل الخطو في الحي الذي أسكنه على سبيل الترويح عن نفسي بعد عمل متعب، فاجأني أحد أصدقاء الأدب وهو يهاتفني: أخونا بلقاسم بن عبد الله في ذمة الله. واكتفى بذلك بعد أن شعر بأن الخبر نزل علي نزول الصاعفة. لم أستفسر منه عن هذا الموت المفاجئ، - وكل موت لا بد وأن يحل علينا ضيفا بالقوة ومن دون استذان - ، وعليه، تقبلت الخبر وأنا أشعر بالغبن لأنني لم ألتق بزميلي الراحل منذ بضع سنوات، أي منذ أن جاء جهابذة الفكر القاتل خلال العقدين السابقين وأشعلوها حربا شعواء على أهلهم باسم الدين، والدين منهم براء. الزميل بلقاسم بن عبد الله، - وهذا أمر يتفق حوله الجميع -، كله لطافة وسماحة وطيبة. هو عاشق للأدب، مشجع لكل من تدركه هذه الحرفة الصعبة، سواء على صفحات جريدة الجمهورية عندما كان مسؤولا عن الجانب الثقافي فيها، أو في الإذاعة أو في كتاباته النقدية ومشاركاته في المؤتمرات والندوات الأدبية عبر الوطن وطيلة ما يتجاوز الأربعين عاما. عدت إلى نفسي أتساءل عن الأدب والأدباء في هذا الوطن الذي ما زلت أراه جريحا يتخبط مثل حمامة لم تنل منها سكينة الذابح فظلت تتطلع إلى استئناف الحياة بكل ما أوتيته من قوة، أو من بقايا قوة. أين الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة وأبو العيد دودو ويمينة مشاكرة ونادية قندوز والجنيدي خليفة والأخضر السائحي والجنيدي خليفة وعشرات من أهل الأدب الذين انتقلوا إلى رحمة الله منذ أن دخلت الجزائر دوامة العنف؟ ما عاد أحد يذكرهم، بل إن الملتقى الذي كان ينظم سنويا في مدينة برج بوعريرج عن أدب عبد الحميد بن هدوق اندثر، ودخل مقبرة الزمن. هناك شارع باسم الطاهر وطار أو باسم الطاهر جاوت وعبد الحميد بن هدوقة ونادية قندوز والشبوكي وغيرهم من الذين تفطرت أكبادهم حبا لهذا الوطن وعشقا أبديا له على الدوام؟ هل هناك من أهل السينما والتلفزيون من يحتفي بأعمالهم الأدبية ويحاول نقلها إلى الشاشة؟ هل كان من موسيقي يضع ألحانا لهذه القصيدة أو تلك من أعمال أولئك الناثرين والشعراء؟ وهل هناك ألف هناك؟ وقائمة الخذلان ما زالت طويلة. الكرة لست ضد الكرة- سواء أفازت الجزائر أم خسرت، تطغى على كل شيء في الإذاعة وفي التلفزيون وفي الشارع. ونحن نحتفي بها، والدولة ترصد لها الأموال الخيالية التي ينبغي أن يذهب قسط منها إلى الناس الفقراء في هذا الوطن، وإلى أهل الثقافة والأدب والفن عموما. لكن، ويا للأسف، ليس هناك من يعمل فكره في هذا الجانب. كلهم حين يتربعون على كراسي المسؤولية ينطقون بكلام لا علاقة له بأرض الواقع، ثم تتبخر وعودهم كلها كأنما شن=مس الحياة لا تسمح لهم إلا ببعض ساعات الصحو. نحن في حاجة إلى أن نراجع أنفسنا في الصباح وفي المساء وفي الليل، بل، وفي الساعة الخامسة والعشرين التي لا وجود لها. قبل بضع سنوات كتبت مقالة قصيرة أتساءل فيها عن مصير الأمير عبد القادر وجهاده، وألححت على ضرورة أن نبادر إلى إخراج فيلم يجسد حياة هذا الإنسان الفذ في تاريخنا. وما زلت أطالب وهذا من حقي كجزائري خبر ما الحرب التحريرية في مدارج الصبا الأول، واكتوى بنار الإرهاب على أيدي الإرهابيين في تسعينات القرن المنصرم، أقول أطالب بفيلم يصور جوانب من حياة الشيخ عبد الحميد بن باديس، ذلك لأنني أعتبر وهذا من حقي أيضا أن كلا من الأمير عبد القادر وعبد الحميد بن باديس هما أهم شخصيتين أنجبتهما الجزائر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. أطالب بأن يكون للزميل الراحل بلقاسم بن عبد الله شارع يحمل اسمه، فذلك ما لا يفكر فيه أي مسؤول سياسي على مستوى البلدية والولاية والبلد كله، ولكنها مناسبة أنتهزها لكي أقرص آذان أولئك الذين يتربعون عليى كراسي المسؤولية الثقافية في هذا البلد. إذا كان عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار والطاهر جاوت ومالك حداد وكاتب ياسين ومولود فرعون وغيرهم لا يحظون بنصيب من الاحترام بين أولئك المسؤولين، فإنه ينبغي على الأقل أن يبادر أهل الأدب والفكر في هذا الوطن إلى أن يرفعوا عقيرتهم مطالبين ببعض الاحترام في بلد ما عدنا نحترم فيه سوى الكرة والمبالغ الطائلة التي ترصد لهذا اللا عب القادم من فرنسا ومن غير فرنساn رحمة الله عليك يا أخي بلقاسم بن عبد الله، فلقد كنت خير من يجسد اللطافة والسماحة بين أهل الأدب في هذه الجزائر!