بدأ الإخوة في كل من الجزائر ومصر يشعرون بخطورة اللعب بالنار عبر وسائل الإعلام من أجل مباراة في كرة القدم عمرها 90 دقيقة ، لكنها ستنسف علاقات وتاريخ مشترك عمره مئات السنين. إن وسائل الإعلام سلاح ذو حدين بإمكانها أن تكون حمامة سلام، وغصن زيتون وبإمكانها أن تكون غراب البين وزيتا على النار. فالأقلام والكاميرات عادة ما تتحول إلى رشاشات وقنابل .. ويقف ورائها الصحفيون كمجرمين وقتلة. إن المسؤولين في البدلين أدركوا ذلك .. فبدأ الحديث عن توجهات رسمية للتهدئة عبر وسائل الإعلام. حيث هناك حديث مفاده أن اليوم سيعقد رئيس الإتحادية المصرية لكرة القدم ندوة صحفية مع الصحافة الرياضية، في الوقت نفسه سيعقد كاتب الدولة الجزائري لدى الوزير الأول المكلف بالإتصال لقاء مع الصحافة الرياضية : وعلى طاولة الرجلين نقطة واحدة، لا يجب إشعال الفتنة قد لا تطفئها السنين بين شعبين عريقين بسبب لعبة كرة القدم. إن المسؤولين مشكورين على هذا التوجه .. لكنني صراحة أشك في قدرتهم على " صنع المعجزة " أي صنع التهدئة. لقد تأخروا كثيرا .. ولا حديث اليوم في الشارع المصري والجزائري سوى عن مباراة 14 نوفمبر .. أرادها الجميع أن تكون هدف وطنيا .. ولن تهدأ النفوس حتى تنتهي المباراة ويمر عليها عقد من الزمن. إنها ليست المرة الأولى التي تتعكر فيها صفو العلاقات الشعبية .. وليست المرة الأولى التي يتأخر فيها المسؤولون عن المبادرة .. لخضر بلومي شاهد حي على ذلك .. فالدعوة المرفوعة ضده من قبل إخواننا في مصر .. حرمته من مغادرة البلاد لمدة " جيلين كاملين " .. لو كان بلومي أمريكيا أو فرنسيا أو ... لاعتذر له فورا .. إن هذا المثال ليس لصب الزينت على النار .. بل لأنه يثبت أن العرب لا يحترمون العرب .. ولا مانع عندهم جميعا لو اشتعلت حرب داحس والغبراء لمدة قرنين من الزمن. ألم نر العدالة في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه كيف تخفف الحكم على الأوروبي أو الأمريكي .. لمجرد أنه كذلك .. لكن لم يحدث ولن يحدث هذا مع أي عربي.. إن الشعبين المصري والجزائري يتنفسان الفقر والتعاسة وقلة فرص الرفاهية الإجتماعية .. ولم يجدا سوى كرة القدم يتنفسونها ويتغذون منها اجتماعيا وإعلاميا .. وأن النظامين السياسيين وجدا الفرصة سانحة ومواتية وملائمة تماما .. فالشعبان سينفّسان عنهما من خلال الإحتفالات والمهرجانات .. وهو ما يضمن للنظامين العيش بعيدا عن ضغط الشارع لمدة عهدة انتخابية كاملة.. لذلك لا أعتقد إطلاقا أن التهدئة ممكنة فكل نظام ينظر إلى المقابلة على أنها وسيلة من وسائل تسيير أزمات.