يأتي قرار حزب جبهة التحرير الوطني بالموافقة على المشاركة في ندوة الإجماع التي بادر بها حزب الأفافاس تجسيدا لقناعات مبدئية وتعبيرا واضحا عن جملة من الحقائق التي تؤكدها الشواهد الملموسة، ولعل من أهمها: - إن قرار المشاركة لم يكن ارتجاليا ولا عاطفيا ولا بهدف تصفية حسابات أو محاولة للربح في سوق السياسة، كما أنه فوق ذلك لا يرتكز على حسابات ذاتية أو نزعة مصلحية ضيقة، بل تمليه رؤية سياسية واضحة، تؤسس لثقافة الحوار بين الفعاليات السياسية، مهما تعارضت في الأفكار ومهما تباينت في المواقف، كما تجسد الحرص على إنضاج أي مبادرة تهدف إلى خدمة الجزائر. - إن حزب جبهة التحرير الوطني ما انفك يؤكد بالملموس بأنه قوة حوار وجمع وتغيير، وهذا ما يتجلى في انفتاحه على المحيط السياسي العام وفي مواقفه المتسمة بمراعاة المصلحة الوطنية أولا، وفي استعداده الدائم للحوار مع مختلف الأحزاب، سواء كانت في الموالاة أو المعارضة، صغيرة كانت أو كبيرة، ولمناقشة كل القضايا التي من شأنها تحصين الجبهة الداخلية وتأمين البلاد ضد كل الأخطار التي تحدق بها وإيجاد الحلول للمشكلات الراهنة وكذا تعزيز الممارسة الديمقراطية، بما يضمن بناء دولة الحق والقانون. - لقد كانت مواقف الأمين العام للحزب، عمار سعداني، خلال لقائه مع قيادة الأفافاس واضحة، حيث رحب بكل الأفكار والمبادرات التي من شأنها خدمة الجزائر الموحدة والقوية والآمنة، وهذا ما ظل يؤكد عليه، من خلال سياسة اليد الممدودة للجميع وأهمية أن تكون الأحزاب منتجة للأفكار وأن تستند المواقف السياسية إلى حرية التفكير والشجاعة في إبداء الرأي واعتماد آلية النقد الموضوعي ومراعاة مصلحة الجزائر أولا وأخيرا . - إن ندوة الإجماع الوطني ينبغي أن تكون فعالة وفي مصلحة البلاد، لأن الشعب الجزائري ينتظر منها أن تأتي بالشيء الجديد في جميع المجالات وتثبت بأن الطبقة السياسية قادرة على العمل فيما بينها في إطار الحوار والتشاور حول القضايا الوطنية. - إن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، بقدر قناعته الراسخة بأهمية فتح قنوات الحوار وتلاقح الأفكار لدراسة أوضاع البلاد، دون حدود وبعيدا عن أي خلفيات أو أحكام مسبقة، بقدر حرصه على احترام إرادة الشعب وعدم التلاعب بشرعية المؤسسات الدستورية، تحت أي مسمى، وهذا ما جدد التنبيه إليه، من خلال تأكيده على عدم تطرق الندوة إلى مؤسسات الدولة بدء من رئاسة الجمهورية إلى غاية البلدية, لأن ذلك يعتبر خطا أحمر، بالإضافة إلى بعض المبادئ الأساسية التي لا ينبغي السطو عليها، كالوحدة الوطنية وحماية التراب الوطني والتصدي للمخاطر التي تحاك ضده وكذا حماية الشعب الجزائري. - التأكيد على أن لا تكون ندوة الإجماع الوطني لقاء للتصادم بين الأحزاب السياسية وتوجيه الانتقادات لبعضها البعض وإنما لتقديم ما يفيد البلاد. ذلك هو المغزى من موافقة حزب جبهة التحرير الوطني على المشاركة في ندوة الإجماع، حيث أنه يقدم مثالا يحتذى به في الممارسة السياسية، ذلك أن المطلوب من الأحزاب، سواء كانت في المعارضة أو الموالاة، أن تتصرف بحكمة وتبصر وتراعي مصلحة الوطن وأن تكون المواقف مقرونة بطرح الخيارات والبدائل، وهذا هو جوهر السياسة، التي تكون بالأفكار البناءة والبدائل المدروسة والآراء الناضجة. أما الدرس المستفاد فهو يقول: إن السياسة ليست تهورا وحماقة واستعراضا ينم عن الإفلاس، كما أنها لا تكون بالمواقف التهويلية والأحكام الجاهزة وسياسة الرفض لكل شيء.