نداء أول نوفمبر حقق أهم وأغلب أهدافه التي نص عليها وهي الاستقلال الوطني وتصفية النظام الكولونيالي واستعادة الدولة الجزائرية، وبالتالي يعد أهم وثيقة صادرة عن الحركة الوطنية، ومع ذلك لم تخصص دراسة أو دراسات لهذه الوثيقة، ولعل المؤرخين والكتاب الذين درسوا الثورة الجزائرية والوقائع التاريخية المتعاقبة بعد صدوره اعتبروها من نتائجه فكانت دراستها دراسة للوثيقة بالامتداد والشمول. الصادق عماري وهذه حجة قد لا تكفي فتبقى دراسة هذه الوثيقة مطلبا ملحا من وجهة النظر السياسية والتاريخية، ومن هنا تأتي هذه المحاولة التي تبقى في حاجة إلى الإثراء والتعمق والتوسع من طرف الكتاب السياسيين والمؤرخين الشباب الذين لا عذر لهم البتة في الإحجام عن الإقدام على هذه الخطوة. في السياق التاريخي: حرر هذا النداء مجموعة من المناضلين سليلي الحركة الوطنية العريقة المستقلين عن الطرفين المتصارعين على القيادة حتى أنساهما ذلك الصراع واجب القيام بالمهام الوطنية العاجلة الملحة التي يفرضها نضج الوضح الداخلي ويتيحها الظرف الدولي المحيط والملائم. فجاء النداء معبرا عن المخرج من الأزمة ودالا على الطريق الصحيح الذي يجب إتباعه، ومحررو البيان مناضلون من أجل القضية الوطنية لا سياسيون محترفون أو منظرون، والنداء موجه إلى الشعب الجزائري في وضعه الثقافي والاجتماعي والسياسي وقتئذ فجاء مكتوبا بلغة بسيطة وأسلوب مباشر وعبارات مختصرة مركزة. بنية النداء: يتكون من إثنتين إلى ثلاث ورقات مرقنة تتضمن: 1- التمهيد الذي هو ديباجة البيان. 2- تشخيص مختصر للأزمة 3- الإعلان عن تأسيس تنظيم جديد لتحرير البلاد 4-الإعلان عن الأهداف والوسائل 5-مقترحات للدولة المحتلة توقعا للتفاوض -فالديباجة تتضمن: -مطلب الاستقلال في إطار الشمال الإفريقي -التأكيد على أن الظروف الداخلية والخارجية ملائمة لرفع هذا المطلب وتوقع الدعم من إخواننا العرب المسلمين على الخصوص - استخلاص الدرس من شروع الشعبين المغربي والتونسي في الكفاح وتأخر الحركة الوطنية عنهما رغم أنها كانت هي الرائدة على طريق وحدة البلدان الثلاثة• وفي تشخيص الأزمة تم التأكيد على استقلالية المجموعة عن الطرفين. - وفي الإعلان عن ميلاد جبهة وطنية لقيادة الكفاح نص على أنها مقترحة لكافة الفئات الاجتماعية وكل الأحزاب والحركات الجزائرية المحضة للاندماج في الكفاح التحريري بدون أي اعتبار آخر . الأهداف: * الاستقلال الوطني * تصفية النظام الكولونيالي * تحقيق وحدة شمال افريقيا في إطار عربي إسلامي• * إعادة بناء الدولة الجزائرية: دولة ذات سيادة، ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الاسلامية * الحريات الأساسية بلا تمييز بجميع الوسائل طبقا للمبادئ الثورية وتعبئة كافة الطاقات. مقترحات للدولة المحتلة: *الاعتراف بالجنسية الجزائرية * إلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تجعل من الجزائر أرضا محتلة رغم حقائق التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والآداب. * الاعتراف بالسيادة الجزائرية التي لا تتجزأ وفي المقابل ذلك يعترف الطرف الجزائري للقوة المحتلة بالمصالح المكتسبة بنزاهة وأن العلاقات المقبلة تحدد باتفاقيات على أساس المساواة والاحترام المتبادل، هذه الوثيقة تستدعي بعض الملاحظات التي لا ترقى إلى مستوى دراسة للوثيقة ويمكن صياغتها كما يلي: 1- الاعتراف بالجنسية الجزائرية: عند قراءة النص باللغة العربية لابد أن ينصرف اهتمام القارئ إلى المعنى الاصطلاحي المشترك لا إلى المعنى اللغوي للفظ الجنسية. ذلك أن الاصطلاحات واحدة بالمعنى مختلفة بالألفاظ بحسب اللغات، فالصفة المشار إليها تنسب إلى جنس في اللغة العربية وتنسب إلى أمة خفى في اللغة الأجنبية فتكون بهذا التوضيح دالة على هوية الشعب الجزائري في اللغتين. - المبادئ الاسلامية: كلمة إسلامي و مسلمين كانت تطلق في ذلك الوقت كصفات على الأهالي أصلاء البلاد لتمييزهم عن الأقلية من الخليط الأوروبي المتنافر الأصول. ويطلق اللفظ أحيانا من طرف كتاب ذلك العصر للدلالة على الصفات الثقافية كأنهم يعتبرون الدين بمفرده هو ثقافة الجزائريين المميزة لهم إنكارا للتاريخ والجغرافيا واللغة والآداب وهي الحقائق التي حددها النداء بوضوح وأثبتها في الفقرة الخاصة بالعرض المقدم إلى الطرف الآخر. - لغة النداء: حرر النداء باللغة الفرنسية وهي اللغة الساندة وقتئذ في التعليم والإدارة والتجارة والمعاملات. ومكونات المجتمع المدني والأحزاب والحركات، وأما اللغة العربية فقد فرض عليها الانزواء والحصار في دوائر ضيقة، ولا يكاد يسمح لها بالتعبير عن شيء خارج الفقر ومدارس تخريج التراجمة وموظفي المحاكم الشرعية. فكان الحرص على الجانب العملي والفعالية ومسايرة الواقع يتطلب استعمال اللغة الأجنبية لأنها أقدر على التبليغ والتأثير للأسباب المنوه بها، وإن كان هذا الحرص نفسه على استعمال العربية لا يفت، فتنتزع المعاني والأفكار من قوالب اللغة الأجنبية وتصب في قوالب اللسان العربي باعتبار اللغة العربية من مكونات الجنسية الجزائرية، وهذا تقليد عريق في الحركة الوطنية نلمسه في الأدبيات السياسية لنجم شمال إفريقيا وحزب الشعب الجزائري وجبهة التحرير الوطني. أما مطلب اللغة العربية وترسيمها فقد أدرج في برنامج حزب الشعب منذ الثلاثينيات ونص عليه النداء في الموضع المذكور آنفا وأدرجه على وجه الامتداد والشمول في تأكيداته على المبادئ الإسلامية والإطار العربي الإسلامي والإطار الشمال الإفريقي والفئات والأحزاب والحركات الجزائرية المحضة وأخيرا اعتبار اللغة العربية من مكونات الهوية الجزائرية. والدرس الهام المتعلق باستعمال اللغة العربية الذي يقدمه بيان أول نوفمبر هو التالي: استعملت اللغة الأجنبية في هذا النداء للمطالبة بالاستقلال وإعلاء الهوية الجزائرية ولغة الشعب ودينه وثقافته وآدابه ولم تستعمل لتأكيد التبعية والاستلاب والسعي للاندماج في هوية الغير، واستعملت اللغة الأجنبية في البيان استعمالا - في الآن نفسه- يفتح آفاق الترقية للغة العربية لا العكس. - النداء عقد مؤسس للثورة: لأن محرريه أدركوا أن الظروف السياسية الداخلية والخارجية ملائمة لطرح المشكل الجزائري وأن الخروج من أزمة الحركة الوطنية هو الشروع في الكفاح المسلح لتحرير البلاد وإقامة الدولة الجزائرية. وهو لا يدعي أنه مؤسس للجزائر والإقليم والشعب ومقوماته فهذه الأشياء كانت موجودة قبله، فالحركات والوثائق يصبح وجودها ممكنا بوجود هذه المفاهيم قبلها اضطرارا لا العكس. النداء وثيقة أصيلة: تضرب بجذورها في أعماق الحركة الوطنية فالمناضلون الذين حرروه خرجوا من الحركة الوطنية وتجاوزوا أزمة القيادة بإنشاء جبهة تقود كفاحا مفتوحا لجميع الفئات والأحزاب والحركات الجزائرية الخالصة. كما أن مطلب الاستقلال هو مطلب عريق راسخ في نضال الحركة الوطنية منذ مؤتمر بروكسل سنة 1927 عندما رفعه وفد نجم شمال إفريقيا إلى المؤتمرين. وإلى جانب هذا المطلب قدم الوفد مطلب الانسحاب التام لقوات الاحتلال وتكوين جيش وطني وحكومة وطنية ثورية وجمعية تأسيسية، وأدرج مطلب الاستقلال في برنامج حزب الشعب منذ تأسيسه. وأضاف هذا الحزب مطلب تعليم اللغة العربية وجعلها لغة رسمية ابتداء من الثلاثينيات، كما أن وحدة الشمال الإفريقي التي ألح عليها النداء في أكثر من موضوع كانت مدرجة في الأدبيات السياسية للنجم منذ تأسيسه وتبناها حزب الشعب بعده• والإنتماء الحضاري العربي الإسلامي الذي يتوقع البيان دعمه، وارد في أدبيات طليعة الحركة الوطنية وزاد البيان على ذلك بالتنصيص على حقائق التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والآداب التي تعارض وتقاوم إلحاق الجزائر بالدولة المحتلة، إلا أن هذه الحقائق نفسها هي التي تنضم بها الجزائر إلى فضائها الطبيعي العربي الإسلامي• ويتضح من كل ذلك أن النداء لم يكن مقطوعا من جذوره وإنما كان راسخا في أصوله النداء وثيقة منتجة : لم يكن النداء تاما مكتفيا بذاته بل فتح آفاقا واسعة للعمل والبناء، فلو كان تاما مكتفيا بذاته لما احتاجت الثورة إلى وثيقة الصومام وبرنامج طرابلس والوثائق اللاحقة الصادرة عن السلطة المستقلة المنبثقة عن جبهة التحرير الوطني والجيش• وإذن فإن الوثائق السابقة هي المصدر والمنبع والأصل والجذور والوثائق اللاحقة هي التحديث والتجديد والإثراء والتكييف• وأما البيان في حد ذاته فهو عقد تأسيسي معبر عن المنعرج الحاسم في مسار الحركة الوطنية المتجاوز لأزمة القيادة الدال على المخرج من الأزمة والطريق الصحيح الواجب اتباعه• الإنخراط النهائي: "الفئات والقوى والأحزاب" التي لبت نداء الجبهة وانخرطت في مشروع التحرير الوطني تخلت عن مطالبها السابقة وجذرت برامجها في أصوله وكيفتها مع أهدافه فكان الإنخراط نهائيا والرجوع إلى المواقع الأولى نكوثا وارتدادا مستحيلا سواء بعد الإستقلال أو قبله• وهذه الحقيقة البسيطة هامة جدا لما يترتب عليها من نتائج ملزمة ذلك أن البيان إذا لم يكن منشئا للإقليم والشعب والتاريخ والدين والتقاليد والقيم إلخ... أي لم يكن منشئا للجزائر فهو مبدأ الثورة التي أنشأت الدولة ومؤسساتها واسترجعت السيادة ووفرت وسائل النهوض بجميع تلك الحقائق المكونة للجزائر، "فالفئات والأحزاب والحركات وليدة الاستقلال أو السابقة للثورة سواء كانت داخل الجبهة أو خارجها عليها جميعا واجب الإقرار بهذا الفضل"• المبادىء والمراحل: نداء أول نوفمبر هو وثيقة مبادىء لذلك كان بسيطا منتجا أصيلا أقوى تأثير على مجرى الأحداث، مرجعا مديد العمر بينما جاءت الوثائق اللاحقة فروعا له، مرحلية، تجيب على مسائل مستجدة حادثة طارئة سواء تعلقت بالخطط الحربية أو المشاكل السياسية أو قضايا التنمية مثل وثيقة الصومام ووثيقة طرابلس والميثاق الوطني، وهذا النوع من الوثائٍق تنتهي فعاليته بزوال المشاكل التي وضع للإجابة عليها، على خلاف بيان أول نوفمبر الذي تضمن مبادىء تخص بناء الدولة واللغة والدين والهوية الوطنية ووحدة الشمال الإفريقي والفضاء الحضاري العربي الإسلامي الخالي من النزعة العرقية• الأهداف التي سطرها البيان تحققت وقد سبق ذكرها وبقي منها بناء وحدة الشمال الإفريقي في إطاره الطبيعي أو الإطار العربي الإسلامي بتعبير البيان واستطاع البيان انتزاع الجزائر من دائرة الأمة الفرنسية بمفهومها الذي اخترعه الفرنسيون سنة 1789 وجعلوا له هوية وطنية تعد مرجعا لكافة الشعوب والأقليات التي ضموها إلى تلك الدائرة وفرضوا عليها لغة واحدة مشتركة هي الفرنسية وألغوا تاريخها وأحلوا مكانه تاريخ فرنسا لكن الانتزاع لا يعني البناء فهل استطاعت الأجيال اللاحقة استكمال هذا العمل، هل استطاعت أن تنتزع تاريخ الجزائر من بين أيدي المؤرخين وعلماء الأنتروبولوجيا الفرنسيين الذين مازالوا يعتبرون تاريخ الجزائر ملكية لهم يفعلون به ما يشاؤون ما دامت قابلة التلقي قائمة في الطرف الآخر ؟ فيطبقون ما يحلو لهم من النظريات الخرافية والخزعبلات التي لم يعد يقر بها أحد في أي مكان إلا في هذا البلد مثل النظرية الهندو أوروبية المتهافتة في التاريخ أو نظريات فرويد التي جعلت أسسا عقلية للدراسات الأنتروبولوحية حول المجتمع الجزائري• بل أن هذا العمل لاسترجاع التاريخ لابد أن يمتد إلى زمن أبعد في تاريخ الجزائر فأولئك المؤرخون ليسوا إلا خلفا لأسلافهم الرومان والإغريق ألم يكن سالست موظفا يأخذ راتبه من مجلس الشيوخ لاهثا وراء جمع الثروة بكل الوسائل ألم يصرح أمثاله من المؤرخين أنهم يكتبون التاريخ لتمجيد العصر الروماني ؟ وجاء المؤرخون الإغريق فصرحوا أنهم أخذوا تاريخ الشمال الإفريقي من المؤرخين الرومان• مادام تاريخ الشمال الإفريقي بين أيدي أولئك المؤرخين القدامى والمحدثين فلا عجب أن تجد فيه كل شيء إلا تاريخ هذه البلدان فهو عبارة عن سلسلة من السيطرات تتوالى واحدة بعد أخرى حتى تبلغ سبع سيطرات وهي حسب تصريحهم: 1- السيطرة الفينيقية 2 - السيطرة الرومانية 3 - السيطرة الواندالية 4 - السيطرة البيزنطية 5 - السيطرة العربية• 6 - السيطرة العثمانية، وتبلغ بهم الوقاحة والاستهتار حد القول بالسيطرة التركية• 7 - وأخيرا السيطرة الفرنسية• وأما التاريخ الحقيقي للغرامنت والجيتول والكونفدراليات الواقعة خلف حصون الرومان، وممالك نوميديا فلا نكاد نعثر عليه إلا مشوها. أو لا نعثر عليه جملة، وأما المحدثون منهم فقد أرخوا للغزو العربي لشمال إفريقيا وألغوا تاريخ الممالك والدول التي أقامتها أجيال هذا الشعب ومازالوا يتصرفون فيه على هواهم. إذا كان بيان أول نوفمبر قد أخرج الجزائر من دائرة هذا التاريخ وانتزعها من نطاق المفهوم المخترع للأمة الفرنسية وانتشلها من المرجعية للهوية الوطنية الفرنسية بالقول والعمل ونص على ذلك بعبارات واضحة بينة لا تقبل أكثر من تأويل، فما بال الآلاف المؤلفة من المؤرخين الفلاسفة السياسيين والمفكرين وعلماء الإجتماع والأنتروبولوجيا واقفين في ذهول ينتظرون؟ هل ينتظر بعضهم فراغ الجمهورية الفرنسية الحالية من العمل الذي شرعت فيه لتحديد الهوية الفرنسية الجديدة للانخراط فيها؟ إن الإقدام على هذا العمل الضخم العظيم المتمثل في استرجاع التاريخ يجب أن يتم برؤية وتفكير حتى لا يؤدي إلى الإرتماء في إطار حضاري قد لا يخلو من العرقية والإقصاء• ذلك أن جميع الإصطلاحات الدالة على هذا الفضاء الحضاري الذي أرجع البيان الجزائر إليه هي اصطلاحات تخلو من شبهة العرقية والإقصاء، لكن واقع الأمر يحتاج إلى تدقيق، وبعبارة أخرى فإن الجزائر تندرج في فضاء حضاري ثقافي منفتح على علوم العصر وتكنولوجيته ولا يجب أن يتم فيه التنافس على من يرث الأمويين والعباسيين وأيهما أحق بنشر الحضارة العربية ولأيهما يرجع الفضل في ذلك؟ هذا الطرح هو السائد في هذا الفضاء الحضاري وهو يحصر ازدهار الأداب والفنون والثقافة والعلوم وبلوغ الحضارة ذروتها في عصو ذهبي يمتد من القرن السابع إلى القرن الحادي عشر ويمجد هذا الطرح إعادة بعث الأعراف العربية قبل الإسلام وبنية القبيلة العربية كما يبالغ في تمجيد القادة العامين (جنرالات) هذه السلالة• فجاء التأريخ لهذه الوقائع هو تاريخ هذا الفضاء الحضاري وتنافس في هذا التاريخ مؤرخون كالبكري والقزويني والإدريسي وإبن حوقل حتى نقتصر على الذين تميزوا بما خصوا به الأمازيغ من نعوث ! ولولا إبن خلدون لكان تاريخ هذا الشعب نسيا منسيا أو مرويا على طريقة الكتاب الرسميين المذكورين• إن جعل الحضارة العربية الإسلامية محصورة في العصر الممتدة بين القرن السابع والقرن الحادي عشر يقصي الفاطميين 905 - 1055 والمرابطين 1055 - 1147 والموحدين 1151 - 1258 والسلالات التي ورثت الموحدين وهم الزيانيون والحفصيون (الذين حكمو حتى منتصف القرن السادس عشر) والمرينيون. كما يقصي السلاجقة والتركمان ( 1055) والمغول ( 1258) وهي شعوب حكمت في آسيا الوسطى والهند وأسست حضارة مزدهرة (سلطنة دهلي 1335) -ثم المماليك الذين حكموا مصر(1258 - 1512) والعثمانيين (1512 - 1920)• إن الحضارة العربية الإعلامية هي ثمرة كل هذه السلالات المتعاقبة وكل واحدة تضرب فيها بسهمها مثل غيرها• كما أن ذلك الطرح يقصي العصر الذهبي للشمال الإفريقي وهو عصر الموحدين (1151 - 1258) الذي عاش فيه كبار حكماء الخليفة في جميع الأزمنة وازدهرت فيه الصنائع والحرف والزراعة والري والتجارة حتى صارت منطقة الشمال الإفريقي من أغنى مناطق العالم. وإذن فلا يجب على المرء أن يهرب من عزرائيل إلى قابض الأرواح! تستطيع الجزائر الضاربة في هذه الحضارة بسهم لا ينقص في شيء عن سهم أي بلد آخر، أن تحتل مكانها الطبيعي في هذا الفضاء وتتحرك فيه طبقا للمبادئ والمفاهيم الصحيحة وتساهم في تجريده من الشوائب والنزاعات العرقية وتعمل على اندماج جميع الشعوب المساهمة فيه اندماجا حضاريا ثقافيا قائما على المساواة. وبذلك تستطيع أن تحتل مكانها الصحيح في جامعة الدول العربية المتجددة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، هذه المكانة تبررها المشروعية والأصالة وتعززها كما يسندها التاريخ الثري العريق ويدعمها. وذلك من شأنه أن يزيل عن الجزائر شبهات لا أساس لها يخترعها مغرضون ويشتقونها من الاتكال على الغير والتبعية والوصاية•• إلخ فإذا تحررت الجزائر من كل تلك الاحراجات استطاعت التحرك بحرية وفعالية في فضاءات الطبيعة على المستوى الإقليمي والعالمي، ولا يقدر أحد سواء من هذه الجهة أو تلك أن يقول أنها تلعب في باحة غيرها، بل تكون كما توقع نداء أول نوفمبر دولة قادرة على أن تقيم مع غيرها علاقات على أساس الاحترام المتبادل والمساواة وتتطور ضمن أطرها الطبيعية التي حددها النداء.