من سنة وصل أول إفريقي أسمر، من أصول مسلمة، إلى البيت الأبيض الأمريكي. الاحتفالات بانتخاب الشاب أوباما رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية لم تقتصر، كالعادة، على مناضلي ومتعاطفي الحزب الأمريكي الذي ينتمي إليه المرشح الفائز بل امتدت إلى مختلف جهات العالم، خاصة في إفريقيا والعالم العربي. يومها قلت، في العديد من الكتابات والتعليقات الصحفية، أن لا شيء سيتحقق لفائدة الأفارقة أو العرب، خاصة فيما يتعلق بالقضية العربية الأساسية: فلسطين. العرب ومعهم بعض الأفارقة، ينطلقون في أحكامهم من واقعهم وينسون أن أمريكا لا تحكم من طرف شخص واحد ولا حتى من كتلة واحدة أو مجموعة أشخاص فقط. أمريكا هي دولة قانون )بالنسبة لمواطنيها( ودولة مؤسسات. الرئيس، الذي هو أعلى مسؤول في هرم السلطة، لا يستطيع أن يقرر، أو يصرف من المال العام، أو يعين في المسؤوليات إلا في إطار معين ومحدد دستوريا وقانونيا، ولو يحاول، عن قصد أو عن غير قصد، أن يتجاوز صلاحياته أو دوره أو حتى حدود الأخلاق التي يجب أن يتصف بها، فأنه سيجد نفسه في مواجهة العشرات من اللوبيات وشيوخ الكونغرس والقضاة والإعلام وغيرهم ممن يعرفون ب»السلطات المضادة«، تواجهه كلها وتدفعه إلى مغادرة الحكم. الكثير من المحللين والصحفيين وحتى من القادة العرب هللوا، منذ سنة، للقادم الجديد إلى البيت الأبيض الأمريكي معتقدين أنه دونكيشوت العرب والمسلمين والأفارقة في البيت الأبيض وأنه سيغير سياسة أمريكا الخارجية تجاه القضايا الدولية تغييرا كاملا. ومرت سنة أولى منذ تربع الأسمر على كرسي الرئاسة الأمريكية ولا شيء تغير، بل العكس هو الذي حدث. في زمن جورج بوش كانت أجندة الولاياتالمتحدةالأمريكية واضحة ومحددة وتنفذ بالقوة؛ في عهد حسين أوباما، تبقى نفس الأجندة سارية المفعول لكنها تنفذ هذه المرة بما يسمى »القوة الناعمة« أو التي يمكن أن نطلق عليها اليوم أسم »القوة السمراء«، فلون بشرة الرئيس فقط هو الذي تغير، أما الباقي فالولاياتالمتحدةالأمريكية هي دائما تلك القوة العظمى التي لا تسمح أبدا بأن يتسبب أي شخص، مهما كان مستواه في هرم السلطة، بأن يؤثر في سياستها أو يضعف حلفاءها أو ينقص من مكانتها في العالم. المتتبعون للشأن العربي - خاصة الغير عاطفيين منهم-، يلاحظون أن قضية فلسطين، بعد مرور سنة من وصول أوباما إلى الحكم، هي في أسوأ حال مما كانت عليه في زمن بوش. بالإضافة إلى المشاكل الداخلية التي تشرذم الصف الفلسطيني، فقد شجعت السياسة الأمريكية خلال هذه السنة إسرائيل على التراجع عن كل المكتسبات الضئيلة التي حققتها السلطة الفلسطينية من خلال التفاوض ولمدة سنوات عديدة؛ كما أن الضغوط التي مورست من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل على محمود عباس، خاصة فيما تعلق بموقفه السلبي تجاه مجزرة غزة وتقرير غولدستون، جعلت رئيس السلطة الفلسطينية يفقد آخر أوراقه ويظهر أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي عاريا بدون حتى ورقة التوت. سياسة أوباما في الشرق الأوسط ذبحت محمود عباس من الوريد إلى الوريد وما قراره بعدم الترشح للرئاسيات المقبلة –إن استمر في موقفه- إلا تعبير عن حالة التقزز التي لا شك أنه يشعر بها من الموقف الأمريكي تجاهه. لقد بذل محمود عباس كل ما في وسعه لتوقيف المقاومة وشارك في محاصرة وتجويع أهل غزة وسكت عن الاعتداءات اليومية للإسرائيليين على المسجد الأقصى وتحرشاتهم واعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال والنساء والمسالمين منهم، ومع ذلك لم يتحصل ولو على النزر القليل الذي يحفظ ماء الجبين. العراق، الذي كان يحكمه رجل واحد - قالوا عنه أنه دكتاتور- لكنه كان ينعم بالأمن والاستقرار أصبح، باحتلاله من طرف الأمريكان، يحكمه عشرات الدكتاتوريين الذين يتقاتلون بين بعضهم البعض. هذا العراق، آمن أهله بأن أوباما سيعمل على جعله آمنا وسالما ومستقرا، لكن العراق اليوم هو في أسوإ حال. الجيش الأمريكي، الذي وعد أوباما بسحبه لازال موجودا بهذا البلد وقادته هم الحكام الحقيقيون والحكومة الأمريكية تواصل بناء أكبر سفارة لها في العالم بهذا البلد لأنها مصممة على البقاء الدائم فوق هذه الأرض لأنها تحتوي في أحشائها على أكبر مخزون للبترول في العالم. إذن بالنسبة للعراق، لاشيء تغير خلال سنة كاملة من حكم أوباما، وفي السنة المقبلة سنكرر نفس الكلام عن العراق إلا إذا تمكنت المقاومة الوطنية العراقية الشريفة التي لا علاقة لها بالإرهاب من جعل الأمريكان يدفعون يوميا ثمنا مرتفعا في أرواح أبنائهم، يومها فقط سيتحرك الرأي العام الأمريكي دفاعا عن أبنائه ويجبر الحكومة الأمريكية على سحب قواتها من العراق. أفغانستان الآن، حيث أزداد الوضع تأزما مع تغيير الطالبان لإستراتيجيتهم في مواجهة الجيش الأمريكي وقوات الناتو. الطالبان، اختاروا في المدة الأخيرة أسلوب حرب العصابات وعدم مواجهة القوات الأجنبية أو التمركز في أماكن معينة بأعداد كبيرة. هذا الأسلوب يشتت المجهود العسكري للخصم ويجعله يواجه مجموعات صغيرة تتحرك بسرعة، تضرب فتحدث خسائر في الأرواح والعتاد ثم تختفي دون أن تتمكن القوات النظامية، المهيأة لمواجهة جيوش نظامية في حروب تقليدية، من إحداث أية خسائر في الأرواح. للانتقام لقتلاه، الذين بلغ عددهم أكثر من خمسين قتيل خلال شهر أكتوبر الماضي وحده، يلجأ الجيش الأمريكي إلى استعمال الطيران لقنبلة القرى والمداشر فيحدث قتلى في صفوف المدنيين مما يدفع بأهلهم إلى الالتحاق بالطالبان للانتقام لقتلاهم. هكذا تتخبط القيادة الأمريكية في أفغانستان منذ 2001 ولا تحقق أي نصر، ولما جاء أوباما وعد برفع عدد أفراد جيشه لحسم المعركة لصالح بلده لكنه لحد اللحظة لم يتمكن بعد من وضع أي إستراتيجية جديدة لأفغانستان. الانتخابات في أفغانستان، التي كانت تراهن عليها القوى الغربية لإقامة حكومة موالية تتمكن من بناء جيش وشرطة قوية وتتحكم في الأمور الأمنية، هذه الانتخابات جاءت أيضا مخيبة للآمال لأنها أوصلت، عن طريق التزوير وباعتراف الدول الغربية نفسها، نفس كرزاي المعروف بالفساد وبالعجز في تسيير الشؤون اليومية للمواطنين. إذن، نلاحظ أن لا شيء تحقق، على المستوى الدولي، خلال السنة الأولى من حكم أوباما، ولعل الشيء الوحيد الذي حققه على المستوى الشخصي هو حصوله على جائزة نوبل للسلام وهي الجائزة التي ستقيده أكثر لأنها ستجعله يتردد في اتخاذ أي قرار قد يتنافى وروح »السلام« على طريقة الذين يمنحون جائزة نوبل للسلام. ثم لماذا نريد من أمريكا أن تغير سياستها وتحالفاتها في المنطقة وليس هناك ما يدعو إلى ذلك، فلا حرب ولا انتفاضة ولا ضغط من طرف العرب ولا حتى سحب لأموالهم من البنوك الأمريكية.