ندرك جيدا أن الشجرة المثمرة هي التي تتلقى الحجارة، لذلك فلا غرابة من تلك التهجمات، التي توحي بالاستعلاء، في محاولة لمزاحمة حزب جبهة التحرير الوطني في صناعة الحدث، خاصة وأن ممارسة السياسة بالذهنية القديمة لم تعد تجدي، وهذا ما يدعو إلى القراءة الواعية للمعطيات الجديدة، وهي تقول بالمختصر المفيد: إن الأفلان قد عزم أمره ولن يكون مطية لأي شخص للوصول إلى الحكم. إن الرد على تلك الطروحات الواهية، يقتضي توضيح بعض الحقائق، التي قد تكون غائبة لدى البعض، ونكتفي بإبراز البعض منها: إن المواقف التي يبديها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، ليس بهدف الإثارة أو لاستفزاز، كما أنها ليست استعراضا للقوة ولا مجرد طلقات بارود في الهواء، بل إنها ترتكز على رؤية واضحة، تبدأ وتنتهي عند مصلحة الجزائر أولا وأخيرا. إن الجزائر، في هذا الظرف، معرضة لجملة من التهديدات، فهي محاطة بالعديد من بؤر التوتر المشتعلة، التي تهدد الأمن الوطني، ولذلك فإن المطلوب من هؤلاء وأولئك، خاصة من يرون أنفسهم في خندق الموالاة، هو عدم الانسياق وراء القراءات الخاطئة والمغرضة والمبتسرة. إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس كل الجزائريين، تلك هي الحقيقة التي لا جدال فيها، لكن هناك حقيقة أخرى، لا ينبغي تجاهلها أو القفز عليها، هي أن عبد العزيز بوتفليقة رئيس جبهة التحرير الوطني. إن على هؤلاء المزايدين والمتقولين، أن يعترفوا بأن الأفلان هو الحزب الأول في البلاد، وذلك يعطيه كل الحق في أن يكون قوة اقتراح وصاحب المبادرة والقاطرة التي تقود. لقد أطلق الأفلان مبادرة سياسية من أجل وجه الجزائر لا غير، وهي بأبعادها السياسية وأهدافها الوطنية، تتجاوز كل نظرة حزبية ضيقة أو مصلحية، كما أنها ليست رد فعل على اقتراح تشكيلة سياسية أخرى، بل هي فكرة ولدتها ظروف محددة، تجتازها البلاد، وكان من الطبيعي أن يكون الأفلان هو المبادر بها، من منطلق مكانته في الساحة السياسية ومسؤولياته الوطنية. وإذا كان من الطبيعي أن تختلف القراءات في التعاطي مع هذه المبادرة السياسية الواسعة، فإن الثابت هو أنها مبادرة وطنية، في دوافعها وأهدافها، ليست ملك الأفلان بل هي مبادرة كل من يتبناها ويكون طرفا فيها، وهذا ما تؤكده حقائق عديدة، نذكر منها: إن المبادرة، وهي الواسعة والجماعية، ترمي إلى بناء جبهة وطنية قوية ومتماسكة، لدعم برنامج رئيس الجمهورية، وتكون صمام الأمان في مواجهة الأزمات وسندا قويا للجيش الوطني الشعبي وأسلاك الأمن في محاربة الارهاب وتأمين الحدود. إن المبادرة موجهة إلى كل الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، لكنها من حيث جوهرها وأهدافها، تتجاوز هذه الكيانات إلى ما هو أسمى، أي دعم الوحدة الوطنية، والحفاظ على السلم والاستقرار والسهر على الأمن الوطني ومساندة الدولة في سياستها التنموية. إن المبادرة ليست إقصائية ولا مغلقة ولا عدائية، وبهذا المعنى فهي لا تنتقص من شأن أي طرف في الموالاة ولا هي موجهة ضد أي فصيل في المعارضة، بل هي مفتوحة، قاعدتها الأساسية الحوار، وأهدافها إيجاد أرضية عمل مشتركة لمواجهة المخاطر المختلفة التي قد تواجهها بلادنا في اقتصادها واستقرارها ووحدتها وأمنها. إن المبادرة، رغم محاولات البعض لإفشالها، تحظى بدعم كبير من تيار واسع في الساحة السياسية ومن الرأي العام، وهذا ما تؤكده الانخراطات الهامة في هذا المسعى، من حيث الكم والنوع. لذلك كله فإن مبادرة الأفلان مستقاة من إكراهات الظرف الداخلي والمحيط الخارجي، ولم تأت لعرقلة أو إجهاض مبادرات أخرى، خاصة وأن فكرة »التحالف الرئاسي« - وهي إقصائية بحكم التجربة- قد تجاوزها الزمن ولم تعد صالحة، كما أن عهد »الحكومة الائتلافية« قد ولى، من منظور احترام إرادة الشعب وضرورة أن يتحمل كل حزب مسؤوليته أمام المواطنين. لذلك كله، فإن الأمر الغريب يكمن في انشغال بعض الأطراف بتحريف الحقائق ومحاولة رمي الشجرة المثمرة، حتى وإن كانت الأيدي واهنة ومرتعشة والحجارة طائشة، لأنها في الأصل والأساس، فاشلة وفاقدة للقوة، ولأن الثمرة لا يقطفها إلا صاحب حق. أما فصل القول، فهو أن الأمر يتعلق بحزب جبهة التحرير الوطني، وما أدراك بحزب جبهة التحرير الوطني، وفي ذلك أفضل جواب وأقوى رد. والفاهم يفهم.