الإنذارات الشفوية التي يوجهها رئيس سلطة ضبط السمعي البصري للقنوات التلفزيونية الخاصة قد لا تكون كافية للتغطية على الفراغ القانوني الذي يعرفه هذا القطاع الحساس، فضلا عن أنها لا تتناسب مع حجم الانزلاقات التي تقع فيها هذه القنوات التي يتعاظم تأثيرها على الرأي العام. يجب التذكير في كل مرة أن رئيس سلطة الضبط غير مؤهل قانونا لمراقبة هذه القنوات الخاصة، ليس لأن سلطة الضبط لم تنصب بعد فحسب، ولكن لأن هذه القنوات معتمدة كمكاتب لقنوات أجنبية في أحسن الأحوال، وأغلبها ليس له أي غطاء قانوني، وهو ما يضعها تحت سلطة وزارة الاتصال التي يخولها القانون منح وسحب الاعتمادات لممثلي وسائل الإعلام الأجنبية. هذه الحقيقة معروفة، لكن التذكير بها ضروري، فإصرار السلطة على هذا الوضع الشاذ هو الذي يفتح الباب أمام كثير من الانحرافات التي تقع فيها، والأسوأ أن هناك غض للطرف على ما تفلعه قنوات بعينها لأنها موالية للحكومة، وهذا ينقض الخطاب الرسمي حول ضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة، والاحترافية. لا يمكن أن تكون هناك ممارسة إعلامية تحترم أخلاقيات الصحافة في وقت تعتمد فيه السلطة بعض القنوات التلفزيونية الخاصة كأذرع لضرب الخصوم وتشويههم، وإذا كانت الجهات الرسمية قادرة على رد هذه التهمة بالقول بأن لا علاقة لها بتلك القنوات، فإنها لن تستطيع إنكار حقيقة أنها تساهلت كثيرا مع تلك القنوات التي شنت حملات ترويع ضد بعض الناشطين، ورموز المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي الآن تواصل القيام بنفس المهمة معتقدة بأنها تخدم السلطة القائمة التي تقابل ما يجري بشيء من الصمت المتواطئ. الإنذارات الشفوية التي توجه لبعض القنوات تبدو كمحاولة لتبرئة ذمة الحكومة، في حين تم اتخاذ قرارات قاسية بإغلاق قناتي الأطلس والوطن، ولا مجال للمقارنة بين إنذار شفوي موجه للاستهلاك الإعلامي، وعملية تشميع تغيب القناة نهائيا من الساحة الإعلامية، وأكثر من هذا يعطي تحرك رئيس سلطة الضبط الانطباع بأن السلطة لا تعتبر نشر خطابات التطرف، والهجوم على أعراض الناس، والتشهير بهم، ونشر الأخبار الكاذبة، ممارسات على نفس الدرجة من الخطورة التي يمثلها فتح المجال لمدني مزراق لتوجيه اللوم لبوتفليقة. والحقيقة أن تلك المخالفات أشد خطورة من أي معارضة شرسة للسلطة. الانفتاح خارج إطار القانون هو أسوأ بديل عن الغلق والرأي الواحد.