لن تكون هناك حاجة إلى استفاء الشعب في مشروع تعديل الدستور، هذه هي خلاصة رأي المجلس الدستوري الذي نظر في نص المشروع، وهذا يعني أن الدستور المعدل لن يمثل ذلك التحول الكبير الذي توقعه الناس منذ أن بدأ الحديث عن المشروع قبل سنوات طويلة. في الوثيقة المقترحة، والتي سيتم تمريرها دون عناء بالنظر إلى التوازنات القائمة في البرلمان بغرفتيه، يمكن أن نجد كثيرا من المواد التي تتحرى التوفيق بين بعض التناقضات الموضوعية التي لم يتم حلها أو تجاوزها منذ الاستقلال، والوثيقة في النهاية تعكس تصور صانع القرار لكيفية تجاوز هذه التناقضات، والتي تقوم على الاعتقاد بأن لدى الذين أشرفوا على صياغة التعديلات ما يكفي من المعلومات والخبرة لجعلهم في موقع القادر على تقديم أفضل البدائل التي تحفظ الاستقرار على المدى البعيد، وتحمي الوطن من مخاطر التفكك والانهيار. والحقيقة أن هذه ليست وظيفة الدساتير، فالقانون الأسمى يضع أسس الدولة ومبادئها الكبرى، ويرسم العلاقات بين مؤسساتها، وقوته تكمن في إيمان الجميع به، والتزامهم باحترامه، ومنه تستمد الدولة شرعية احتكارها للعنف واستعماله في إطار واضح لتطبيق القانون وحمايته من المخالفين، ولا يمكن لهذه النزعة التوفيقية التي نلمسها في الدستور أن تكون بديلا عن التوافق الذي هو أصل الشرعية في أي عملية تأسيس. نحن الآن أمام مأزق سياسي حقيقي، فتمرير الدستور عن طريق برلمان انقضى القسم الأكبر من عهدته يمنح مصداقية لخطاب المعارضة الذي يعتبر أن عملية التعديل ستعوزها المصداقية إن لم تستند إلى تزكية شعبية مباشرة، وإذا أضيف إلى هؤلاء من يطعنون في تمثيلية البرلمان، باعتبار ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2012، فإن الدستور يصبح مشكلة بدل أن يكون هو الحل. قد يثور الخلاف حول مضمون الدستور بصيغته المعدلة، وقد يطول الجدل حول أهمية بعض المواد التي تمت إضافتها، لكن كل هذا يعتبر هامشيا مقارنة بالمسألة الأساسية المتعلقة بالإصلاح السياسي الحقيقي الذي يحتاجه النظام السياسي الجزائري، والظاهر أن الوثيقة لا تقدم إجابات عن الأسئلة المتعلقة بالطريق الذي يجب أن نسلكه من أجل تجنب مخاطر انهيار النظام الذي يكاد يحصل الإجماع على اعتباره منتهي الصلاحية.