حرص الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، في تصريحاته الأخيرة، على وضع النقاط على الحروف، بالنسبة لعديد القضايا، ذات الصلة المباشرة بالحياة السياسية الوطنية، حيث فضل الحديث بلغة واضحة وصريحة، لا تملق فيها ولا مجاملة، خاصة لما عبر عن موقف الحزب من الأمين العام لحزب الأرندي، حيث قال: "أنا لا أثق فيه ولا في مبادرة التهدئة السياسية، أما تهدئة شخصية بيننا فلا مانع". لقد حاولت بعض المنابر الإعلامية أن تستثمر في هذا الموقف، حيث راحت تتحدث عن "المعركة المفتوحة"، للتموقع، في إطار ما تسميه ترتيبات ما بعد الرئيس بوتفليقة، وذهب البعض منها يبني استنتاجاته على أن مواقف الأمين العام عمار سعداني تهدف إلى وضع العصا في " عجلة" مسؤول ذلك الحزب، للحيلولة دون وصوله إلى " سدرة المنتهى"، وهذا في تجاهل تام للكثير من الحقائق البارزة، التي لا تخفى على أحد، ومن أهمها: أولا: إن عهدة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قائمة إلى غاية 2019، ولا ينازعه فيها أحد، فهو من يحكم والكل يأتمر بأوامره. ثانيا: إن الأفلان لا يبحث عن تموقع، من منظور أنه يساند رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ويدعم قراراته، وهذا الموقف يرتكز على الولاء المخلص والصادق وليس عن تملق وانتهازية. ثالثا: إن المنافسة بين الأحزاب ليست مشروعة فقط، بل هي مطلوبة، لإعطاء المعنى الحقيقي للممارسة الديمقراطية، وهذا ما يؤمن به الأفلان ويناضل من أجل تجسيده عمليا، ولذا فإن المنافسة مفتوحة بين جميع التشكيلات السياسية. رابعا: إن الأفلان لا يختزل نضاله ومواقفه في مواجهة حزب أو حزبين، مهما كان وزنه في الساحة السياسية، بل يخوض المنافسة مع كل مكونات الساحة السياسية، من أجل تكريس ريادته وتأكيد جدارته في القيادة. وحين يشدد الأمين العام للحزب على أن الأفلان لا يختلف مع أي شخص أو جمعية أو حزب أو كيان يساند رئيس الجمهورية, وحين يؤكد بأنه في العمل الحزبي "لكل مشروعه"، فإنما يعتمد أسلوب المكاشفة في تحديد العلاقة بين الأفلان والأحزاب الأخرى، سواء كانت في الموالاة أو المعارضة، وهو في ذلك لا يراوغ ولا يستعمل الكلمات المطاطة، كل ذلك يعطي مواقف الحزب قوة، خاصة وأنها تعتمد المكاشفة وليس المخادعة. إن الأمر المؤكد هو أن موقف الأمين العام عمار سعداني لا يستند على الفراغ، كما أنه لا ينطلق من خصومة شخصية، وفوق هذا وذاك فهو ابعد ما يكون عن تنافس شخصي على مواقع أو مسؤوليات، بل إنه يرتكز على حقائق معلومة لدى الطبقة السياسية وليست خافية على الرأي العام. لقد وضع الأمين العام خطوطا فاصلة بين "التهدئة السياسية" و"التهدئة الشخصية"، وهذا من منظور أن السياسة لا تبنى على العلاقات الشخصية، بل على أفكار وبرامج وممارسة سياسية صادقة، لا خداع فيها ولا ضرب "تحت الحزام" ولا اقتناص الفرص للانقضاض على "الصديق الحليف". ومن منطلق أن لكل حزب الحق المشروع في الدفاع عن خياراته ومواقفه، فإنه من الطبيعي جدا أن يدافع الأفلان على نفسه بالوقائع المسنودة وأن يؤكد على حقوقه المشروعة، ولا بأس من توضيح ما قد يكون غاب عن الذين يدعون بأنهم " حماة الجمهورية" وانه لولاهم لسقطت الجزائر في فم الإرهاب. إن الأفلان، خلال مرحلة الأزمة لم يهجر"معسكر المقاومة"- كما يدعي البعض- بل اعتمد المقاومة الداعمة لحل سياسي، يقوم على المصالحة ومحاربة الإرهاب، وهذا ما تجسد فعلا، بفضل سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية، التي أقرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. أما الحديث عن المقاومة، التي يزعم البعض أنه ركيزتها وأنه هو"أمها وأبوها"، فلا يعدو ذلك أن يكون مجرد ادعاء زائف، لأن التاريخ يسجل بأن أبطال الجيش الوطني الشعبي وأسلاك الأمن والمقاومين والمجاهدين وكل الوطنيين، هم من تصدوا للإرهاب وقدموا التضحيات الجليلة، من أجل حماية الجمهورية والحفاظ على كيان الدولة. لذلك، فإن الذين يريدون احتكار محاربة الإرهاب والإدعاء بأن " حزبهم" قد أنشئ خصيصا لهذه المهمة، إنما يقعون في مغالطة كبرى، خاصة وأنهم ينتقصون من تضحيات غيرهم، وهم الأغلبية الغالبة، الذي واجهوا الإرهاب ولم يكونوا يتمتعون لا بالإقامات المحروسة ولا بالحرس والعسس، بل كانوا في قلب المواجهة الحقيقية وليس في المواجهة " الآمنة"، الني لم تكن تتجاوز بيانات التنديد والاستنكار وخطب التهديد والاستئصال. أما القضية الأخرى، المرتبطة بإنشاء ذلك الحزب، الذي أعطيت له مهمة "لاعب الاحتياط"، حسب آراء المهتمين بالشأن السياسي، فإنه لا يمكن إنكار أن السلطة آنذاك قد قامت بتأسيس ذلك الحزب لمحاصرة الأفلان والانتقام منه، بل ولتعويضه في الساحة السياسية، وهذا ما تشهد عليه تلك الانتخابات، التي عرفت تزويرا مكشوفا ومفضوحا، موجها لصالح حزب محدد. إن التاريخ يسجل الأحداث، ومهما تطوى الصفحات، إلا أنها تبقى مفتوحة للعبرة وأخذ الدروس ولن تموت بالتقادم، ولذلك فإن الأمين العام عمار سعداني، عندما يقول:" أنا لا أثق في أويحيى"، فإنما يعبر عن موقف مدروس ومسنود بالوقائع والشواهد. أما الخلاصة فهي أن ممارسة السياسة بالذهنية القديمة لم تعد تجدي، وهذا ما يدعو إلى القراءة الواعية للمعطيات الجديدة، وهي تقول بالمختصر المفيد: إن الأفلان قد حزم أمره ولن يكون مطية لأي شخص للوصول إلى الحكم.