"كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    لبنان : ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني إلى 3670 شهيدا و 15413 مصابا    الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    قرار الجنائية الدولية سيعزل نتنياهو وغالانت دوليا    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الشباب يهزم المولودية    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين فرحة النّصر وألم الأسى

في مقال نشرتُه هنا في فاتح سبتمبر الماضي تحت عنوان: »شبح الشغب في الملاعب : هل يندثر؟« كتبت في الخلاصة حرفيّا: »تبقى كلمة أخيرة عن أهميّة دور الإعلام في تأجيج وخفت جذوة الشغب والعنف في الملاعب، بعيدا عن اتهامه الساذج بأنّه قد يكون المتسبّب في تلك الحوادث. وفعلا، كثيرا ما تميل الصحافة إلى المبالغة في شحذ مشاعر التنافس بين أنصار الفرق وتلحّ على حتميّة المواجهة الصداميّة بينهما بل وتهييء كلا الطرفين لخوض حرب مصيريّة. ومن اليسير أن نجد، مثلا، في الصحافة المصرية، التي تتأهب لمقابلة فريقها بالفريق الجزائريّ، ألفاظا شبه جهاديّة يتضرّعون فيها لله لنصرتهم في حربهم المقدّسة ضد خصم لا تتوان في شيطنته كلّما وجدت مبرّرا لذلك، ومهما كان بُطلان تلك المبرّرات أو ضُعفها«، وفعلا، ها هي مصر تحصد مازرعته صحافتها.
عرضت الصحافة البريطانيّة اليوميّة في تغطيتها للمقابلة المصيريّة بين المنتخبين الجزائري والمصريّ يوم 18 نوفمير صورا رائعة لانتصار أبطال الفريق الجزائريّ وفرحة أنصاره، مقابل صور عن غضب الجمهور المصريّ ومواجهاته الدّامية لشرطة مكافحة الشغب على مشارف السفارة الجزائريّة بالزّمالك.
ورغم أهميّة مقابلة إيرلندا وفرنسا بالنسبة للجيران الأنجليز التي جرت نفس اليوم، وما حام حولها من لغط بسبب الهدف الذي سُجّل على يد تييري هنري لاعب أرسونال سابقا، إلا أنّ تعاطف الصّحافة البريطانيّة مع إيرلندا وتأسّفها لتصرُّف تييري صاحَبه أيضا تعاطف مُواز مع الفريق الجزائريّ واستغراب للتصرّف المصريّ. ووجّهوا تهمةَ السلبيّة لموقف الفيفا سواء تجاه الهدف الفرنسيّ غير المشروع أو الإعتداء على حافلة الفريق الوطنيّ الجزائريّ، حيث رأوا أنّ الموقف السّليم هو أن تُلغى مقابلة الجزائر ومصر.
وقد أوردت صحيفة التايمز بموقعها على الأنتارنات ردود فعل بعض المناصرين المصريين لتكشف مدى المبالغة التي ذهبوا إليها حول اعتداءات مفتعلة ضدّ المناصرين المصريين في الخرطوم وفي الجزائر، ومدى إصرارهم على نكران حقيقة الإعتداء على حافلة الفريق الوطنيّ الجزائريّ بالقاهرة وإصابة رياضيه.
كما استهجنت وسائل الإعلام في لندن، العربيّة منها والانجليزيّة، كيف أنّ الحكومة المصريّة سارعت غداة مقابلة 18 نوفمبر، استنادا لمعلومات مغلوطة، بدعوة مجلس أمنها الوطنيّ إلى الإنعقاد، في تحرّك لم يحدث مثيله منذ حرب 1973 ضدّ العدوّ الصيونيّ. وتمخّضت أعمال تلك الهيئة عن تكليف الترسانة الإعلاميّة الرّسميّة بحمل السّلاح ضدّ الجزائر وتعميم إجراءات مقاطعتها رياضيّا وثقافيا واقتصاديّا.
ومنذ البدء في خوض تلك الحرب العدوانيّة على الجزائر، كانت بوادر خسرانها مؤكّدة، فقد كان واضحا أنّها مجرّد تشنّجات ناجمة عن خيبة أمل مريرة. ومع مرور الزمن، تكشّف أنّ تلك الغزوة التي أعلنوها، ونحن على أبواب عيد الاضحى، لم تكن معلومة جدواها وغير محسوبة نتائجها وغير مدروسة عواقبها.
وأبرز مثال على ذلك، مطالبة البعض منهم هيئة قناة السويس بمنع السفن الجزائريّة من العبور عبر القناة. وهو طلب لم يتبادر لذهنهم من قبل تجاه العدوّ الصّهيوني. ومن سوء جهلهم، كان على الهيئة أن تُعلمهم أنّ التزاماتها الدّوليّة لا تسمح لها بذلك، حيث قال ممثّلها: »أنّ هؤلاء لا يعرفون أنّ هناك اتفاقيات دوليّة تنظّم ذلك«.
وكشف أنّ باخرتين اثنتين فقط جزائريّتين عبرتا القناة منذ بداية السنة. كما أعلمهم أنّ الحالة الوحيدة أمام السلطات المصريّة لمنع السفن الجزائريّة من العبورعبر القناة هو إعلان حالة الحرب. ومن يدري؟ لعلّ هؤلاء السّاهرين علي سؤدد مصر درسوا القرار وسبل تنفيذة وتبعاته وخمّنوا في إعلان الحرب.
إنّ نخب الشعب المصريّ، المهمّشة غالبيّتها اليوم، عوّدتنا على مستوى أرقى من مثل هذا التفكير الخبل.
وإذ أصدرت اسعاد يونس بيانا باسم الشركة العربيّة للإنتاج والتوزيع لمقاطعة الجزائر، فهل لا تعلم أنّ سوق الإنتاج العربيّ الثقافيّ والفكريّ، كمّا ونوعا، أصبح الآن مركزه خارج مصر. وماذا يتصوّر أن تخسر الجزائر عندما يُعلن ممدوح الليثيّ رئيس الإتحادات الفنيّة المصريّة مع أشرف زكي نقيب الممثلين ومنير الوسيمي نقيب الموسيقيين عن وقف التعامل مع المؤسّسات الجزائريّة. وإذ قرّر سهير عبد القادر مدير مهرجان القاهرة التراجع عن تكريم الجزائر غداة انتصار الفريق الجزائريّ عن استحقاق، فهل كان يتوقّع أن يُهدي سعدان التأهّل للفريق المصري مقابل إيفاء المثقّفين المصريين بوعد أقرّوه بمحض إرادتهم. أولا يعي هؤلاء »الفطنون« أنّ أيّ مدعوّ لحفلات مصريّة في المستقبل، في أيّ مكان من العالم، سيفكّر مرّتين قبل أن يقبل الدّعوة لزيارة بلدهم حتى لا يُصبح مُطالبا بأن يضمن أن تمنح بلده نصرا لمنافس مصريّ آخر سواء في منازلة للملاكمة أو مقابلة في الكرة الطائرة، أو غيرهما.
وقد كان السيد محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهوريّة المصريّة مدافعا سديدا عن مصالح بلده عندما انتقد الدّاعين لسحب الإستثمارات المصريّة من الجزائر: »لأنّ وجودها صمّام أمان للأمن القوميّ«، كما يقول، مؤكّدا: »أنّ الإستثمارات المصريّة بالجزائر تأكيد على أنّنا نساعد ونتبادل الفوائد والمنافع مع أشقّاء عرب ... لا نَمُنّ على أحد«.
فليس من الذكاء في شيء أن يتصوّر واهم أن مقاطعة مستثمرين للسوق الجزائريّة ستتحقّق آثارا سلبيّة على الجزائريين أكثر من تلك التي تُصيبهم.
وعلى الجبهة الرّياضيّة، تلقّت الفدراليّة المصريّة صفعتين من الفدراليّة العالميّة لكرة القدم خلال أسبوع واحد، مع وعد شبه مؤكّد بضربة قاضية ثالثة، لن تتأخّر كثيرا. حيث بنت الفدرالييّة المصريّة، كلّ مرّة، دعاويها على مجرّد تُهم بدون أيّ دليل موثّق. ولعل هذا يكشف التقليد السائد الذي تتصرّف به أجهزة الحكم في مصر مع مواطنيها، حيث ليس من المستبعد أن تكون متعوّدة على تلفيق التّهم لإلحاق العقاب بالضحيّة. انتبهوا، هيئة الفيفا ليست فرعا من مخفر للشرطة المصريّة.
وعلى الصّعيد الإعلامي، انكشفت كفاءة حثالة الهواة الذين تصدّروا واجهة الإعلام المصريّ، والذين وصفهم بالمرتزقة أحد أكبر العارفين بخبايا الشلّة الحاكمة على شاشة المستقلّة من لندن. فقد سارعوا لنشر معلومات دون تمحيص أو تدقيقها من مصادر مستقلّة، ودون تمييز بين الوقائع والقذف، ودون أدنى احتياط لتجنّب تعريض كرامة المستمعين للإهانة والتجريح وثلب الأعراض.
لقد انفضحت كثير من أفكار المصريين المٌسْبقة التي طالما أسرّوها لبعضم البعض تجاه العرب، وصرّحوا بها غمزا أحيانا كثيرة، وكرّروها بأصوات هامسة أحيانا أخرى. آخر دعاويهم، حسب تصريح صحافي مصريّ تمّ تقديمه للمشاهدين على أنّه خبير في الشّان الجزائريّ، أنّ المصريين هم الذين أدخلوا التكنوجيا للجزائر في نهاية التسعينات، يا سلام!.وهي دعوى قد يُقنعوا بها أنفسهم، وبأمثالها، لمجرّد وجود مهندس مصريّ واحد يعمل بمصنع في أيّ بقعة من بقاع العالم.
وهي أحكام، إذ يصرّحون بها اليوم ضد الجزائيين، فلن يتوانوا في إطلاقها على أيّ من أبناء الدّول العربيّة.
وقد قالوا أنهم أدخلوا العروبة للجزائر ناسين أنّ من بنى صرح الأزهر الشريف هو واحد من أبناء الجزائر. كما ضحكوا على جهل الجزائريين باللغة العربيّة، ولكنّ، يا للبلادة، قالوها بلهجة مصريّة تأكّد لدى علماء اللّسانيات أنها لهجة أبعد عن العربيّة القحّة من لهجة الجزائريين، لغير سكّان بعض مدن الجزائر التي كان لأهلها احتكاك بلغات أخرى.
إنّ الحملة الدّعائيّة المغرضة التي باشرتها بكثافة وسائل الإعلام المصريّة الرسميّة، بعد هزيمة 18 نوفمبر ضد الجزائر أمّة وتاريخا وشعبا وحكومة، تنكشف أغراضها الدّنيئة لحظة بعد الأخرى، ويتأكّد فشلها الذريع يوما بعد الآخر. بل انقلب فيها السّحر على السّاحر.
ذلك الفشل الفاضح سواء لإدارة الهجمة الدّعائيّة أو التفكير الأخرق في مقاطعة الجزائر، رياضيا وثقافيا واقتصاديا، سرعان ما قاد ذوي النوايا الحسنة والنظرة الثاقبة، سواء من مصريين أو عرب أو غربيين، لمساءلة الجدوى من تلك الشطحات المصريّة الغريبة ومدى توافق نتائجها مع أهدافها ومدى تقدير آثارها السّلبيّة.
إنّه فشل أكيد ليس للنخبة المصريّة ولكنه فشل المقرّبين من أصحاب القرار الذين يتمّ تنصيبهم بمواقع ليسوا أهلا لها فيسيؤوا لبلدهم بجهالتهم العمياء.
الإحتمال الأكثر توقّعا أنّ هذا الشخص أو ذاك، ممّن كتبت لهم صدف الزّمان أن يحتلّوا مواقع سلطة القرار، يكونوا قد عبّروا عن ثائرة غضبهم تحت وطأة إنكسار نفسي شديد الإحباط خلّفته تلك الهزيمة الكرويّة غير المنتظرة، فراحوا يأمرون بتلك الإجراءات الإنفعاليّة والتي تمّ، لتنفيذها، تجنيد بعض المستفيدين من منصب، ليسوا أهلا له، والذين ليس لهم من إرادة سوى التّعبير عن السّمع والطّاعة.
إنّه لمن المؤسف أن تصل أمّة في عظمة مصر عرضة للسّخريّة بسبب مطامح نخبة ضيّقة الأفق أقنعت نفسها بسيناريو وحيد لمقابلة في كرة القدم لا يستطيع مسؤول، له حدّ أدنى من الحسّ السليم، أن لا يتوقّع احتمال نتيجة سلبيّة لها.
أمام تلك الصّورة، كيف يتوقّع الإخوة في مصر أن لا يكون العالم إلى جانب الجزائر؟ ولماذا يستغربون، على مواقع الأنتارنات للصحف البريطانيّة، من أنّ الرأي العام العالمي فضّل التحيّز للجزائر.
وبالمقابل، ليس من الصّعب تسجيل نجاح المؤسّسات الجزائريّة في إدارة المقابلة والأزمات المفتعلة والمدبّرة حولها وعلى رأسها جميعا رئيس الجمهوريّة الذي فاز بأوفي العرفان من كلّ شعبه ومن فريقه المنتصر. وفي مقدّمة الإنتصارات، إصرار الجزائر كلّها كأسرة واحدة بل وجسد واحد على أن يمرّ العرس الشعبيّ دون أدنى التفات لغوغاء الحسّاد ونباح الكلاب الذين جنّدوا كلّ ما أوتوا من جهد في حرص عنيد لإفساد بهجته.
كما نجح سفير الجزائر في مواجهة الترسانة الإعلاميّة ومراوغات الأجهزة الحكوميّة المصريّة، ونجح رئيس الفدراليّة في كسب النقاط الكاملة لدى الفيفا، ونجح مدرّب الفريق الوطني بانتزاع التّأهّل لكأس العالم، ونجحت وزارة الإعلام الجزائريّة في عدم توريط وسائل الإتّصال الرّسميّة في اللّغط والتراشق اللفظيّ، ونجحت هياكل الأمن الجزائريّة في محاصرة الإنفلات في أضيق نطاقاته الممكنة في جوّ لم تعرف الجزائر مثيلا له من الشّحن والتّهييج والاستفزاز.
ومن الحقائق التي كشفتها هذ الأزمة أنّ هيمنة الإعلام المصريّ التقليديّة على السّاحة العربيّة وسطوة تأثيره على الرّأي العام العربيّ قد انحسرت، أولا، بحكم تطوّر التكنولوجيات الجديدة، وخاصّة على مستوى الإنتارنات وخدماتها التي لم تعد تنفع معها الرّقابة سيّئة الصّيت. كما ضاقت تلك الهيمنة بسبب انتشار محطّات بث العديد من الدّول العربيّة والعالميّة التي تسعى كلّ منها ليكون صوتها مسموعا أكثر أو ليتعزّز دورها سواء على المستوى العربيّ أوالدّوليّ. وهكذا أصبح صوت مصر على السّاحة العربيّة مجرّد رقم بين الأصوات وغدا رأيها واحدا من بين الآراء فحسب.
وهكذا، أيضا، برزت يوميّة اسمها »الشروق اليوميّ« الجزائريّة وموقعها »الشروق أون لاين« لتضع حدّا ملموسا للاحتكار المطلق الذي طالما استفاد منه الإعلام المصريّ لتغليب وجهة نظره على السّاحة العربيّة، حول هذا البلد أو ذاك.
ومع ذلك، فقد لاحظنا كيف سقطت كثير من الفضائيات العربيّة في فخّ الدّعاية المصريّة التي بادرت في أول باتّهام اللاعبين الجزائريين بإسالة دمائهم بأيديهم. ولكنّها لم تجد بدّا من الرجوع للصّواب، وإن كان بنِسَب متفاوتة من الشّجاعة الأدبيّة، بمجرّد أن انكشفت حقيقة التلفيقات الواهية والإدّعاءات الكاذبة والإتّهامات الزائفة.
وهذا ما تكرّر هذه الأيّام. إذ لم تجد تلك الصحف والقنوات بدّا من إقرار ما تأكّدت صحّته على يد الفدراليّة العالميّة لكرة القدم حول الإعتداء على حافلة الفريق الوطني في القاهرة، كما لم تعد قادرة على مواصلة الخرص أمام الرّدود السّريعة والشّجاعة التي فنّدت فيها السلطات السودانيّة أكاذيب التصريحات المختلقة عن تصرّفات المناصرين الجزائريين في الخرطوم.
ومن الدروس الهامة لأخوتنا المصريين، أنّ صفة »أمّ الدّنيا« لقب سام يتمّ انتزاعه باستحقاق وليس مجرّد جملة يُلصقها كائن من كان بنفسه إلى أبد الآبدين. إنّه لقب اكتسبته مصر بجدارة عندما كان زعيمها الرّاحل عبد النّاصر يحمل مشروع الدّولة الوطنيّة ويرفع راية مطامح الشعوب العربيّة، فاكتسب مشروعيّة تلك الزعامة لديها كما اكتسبها لدى دول العام الثالث وعلى ركح صراع الحرب الباردة.
أمّا اليوم، فقد تخلّت حكومة مصر عن دورها في حماية وجود الشّعب الفلسطينيّ والدّفاع عن كامل حقوقه المشروعة. وهو الدّور الذي ما فتئت القيادة المصريّة توجّه له الضربة تلو الأخرى منذ كامب دافيد، ففقدت دورها الإقليمي.
وليكن ساسة مصر الآن على علم بأنّ الشباب الجزائريّ والعربيّ اليوم، والذي لم يعرف عن مصر سوى كامب دافيد وتبعاتها، ليس لديه فيما عايشه من حقائق ما يجعله يُقرّ بأولويّة مصر وأحقيّتها في ريادة العالم العربيّ، خاصّة بعد ما شهده من مواقف للنّظام المصريّ سواء أثناء أو بعد الغزو الإسرائيليّ للبنان أو غزّة، حيث تحوّل دوره إلى مجرّد راع لإضفاء الشّرعيّة المستمرّة على المشروع الصهيونيّ ومنحه الوقت الكافي الذي يمكّنه من استكمال بناء الدّولة التي يريدها، على المساحة التي يريدها، تحت وهْم مسيرة السّلام.
وربّما يكون ما فجّر هذه الضغائن ضدّ الجزائر هو أوّلا وقبل كلّ شيء إصرارها على الصّمود في السّير بعيدا عن الطريق الخنوع والمليء بالدّسائس الذي اختارته القيادة المصريّة الحالية على حساب الحقوق المشروعة للشّعب الفلسطسنيّ، وهذا ما عبّر عنه الشبّان الجزائريون في شوارع لندن بكلّ عفويّة. وهناك أيضا مبادرة الجزائر التي صرّحت بها أمام الملإ أثناء قمّة الجزائر في مارس 2005 حيث دعت لضرورة تدوير منصب الإمين العام للجامعة العربيّة التي فقدت دورها الإقليمي بسبب هيمنة مصر الإداريّة عليها.
والحال أنّ هذه المقابلات في كرة القدم وما أحاط بظروف جريانها وكذا تداعياتها كان يمكن التّعامل معها في الأطر القانونيّة المرسومة لها. وهذا ما سهر على اتّباعه المحترفون الجزائريون ونجحوا، وهذا ما غاب عن بال الهواة من المصريّين الذين كانوا يجرون وراء تلبية نزعات أمراء يتصرّفون بعقليّة مماليك القرون الوسطى على كاهل أمّة في عراقة مصر.
[email protected]
احتفال أبناء الجزائر بانتصار الخضر في لندن
أكبر تجمّع في تاريخ الجالية ببريطانيا
منذ أكثر من أسبوع، وعلى غير عادته، تزيّن شارع بلاكستوك بإيزلنعتن، المشهور بكونه شارع الجالية بالمهجر والقريب من نادي وملعب أرسونال، بالألوان الوطنيّة الجزائريّة. وبمجرّد أن أعلنت صفّارة الحكم نهاية المقابلة بانتصار الجزائر وتأهّلها لمونديال 2010 مساء يوم 18 نوفمبر، هبّ أبناء الجالية الجزائريّة المقيمة بالمملكة المتّحدة للشّوارع للتّعبير عن بهجتهم بالتّأّهل التّاريخيّ الذي انتظره عشّاق كرة القدم لمدّة 24 سنة.
وبدون اتفاق مسبق، كما حدث قبل خوض مقابلة يوم 14، انطلقت قوافل السيّارت من مختلف أنحاء لندن وضواحيها والمدن القريبة منها في اتّجاه قلب المدينة ملوّحة، بكلّ اعتزاز شامخ، بالعلم الوطنيّ. واكتظّت الشوارع المعروفة بتواجد الجالية العربيّة، وخاصّة إدجور روود، بأبناء الجالية وتعطّلت حركة المرور فيه لكثرة السيارات المتّجهة عبره للساحة المعروفة بترافلغر سكوار، موقع تتجمّع الجماهير في مثل هذه المناسبات الكبرى.
وعند التاسعة مساء، قدّرت البي بي سي عدد الجماهير المحتفلة بالسّاحة بأكثر من ثلاثة آلاف نفر من أصل جزائريّ، من مختلف الأعمار، التأموا لإحياء أكبر تجمّع لهم في تاريخ الجالية الجزائريّة الحديثة الوجود بالمملكة المتّحدة. وحسب تقدير الرّابطة الجزائريّة البريطانيّة يكون العدد قد بلغ عند فجر اليوم التالي إلى خمسة آلاف.
وفي أجواء البهجة العارمة يُلوّنها الأخضر والأبيض والأحمر، أبهر أبناء الجزائر المارّة بأهازيجهم وكسبوا تعاطفهم كما أطلقوا الألعاب النّارية وتسلّقوا تماثيل السّاحة لرفع الرّاية الوطنيّة أعلى ما أمكنهم ذلك.
وقد كانت فرحة الهجرة هنا تختلف عن تلك المظاهر التي عرفتها فرنسا، كما أورد ذلك الصحافة البريطانيّة. حيث أنّ أبناء الجالية هنا يعيشون في محيط يخلو من أيّ إحساس بالدّونيّة ومن كلّ أشكال العنصريّة الفجّة التى تعاني منها الجالية الجزائريّة في فرنسا والتي لم ير رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة حرجا في التعبير عنها بنفسه بألفاظ نابية. وهكذا جرت الاحتفالات في كامل الهدوء ودون تسجيل أيّ احتكاك مباشر مع المناصرين المصريّين.
وكانت تلك الاحتفالات فرصة أعطت فيها الجالية صورا للفرحة والبهجة نقلتها البي بي سي وصحيفة إيزلنغتن تريبون الأسبوعيّة المحليّة، لتمحو تلك الصور الباقية في ذكريات الكثيرين عن الجزائر والتي تغلب عليها مظاهر الدّم التي سادت خلال العشريّة السوداء ولتحلّ محلّ تلك الصور المؤسفة التي وسمت بالسّوء وبتجنّ كبير الجالية الجزائريّة أثناء حملة الشرطة البريطانيّة على هذا الحي في ماي 2008، في سابقة نادرة، بتعداد 600 فرد من رجال الشرطة. إنّها كانت فعلا فرحة كبرى وعارمة لن تُنسى، أهداها الخضر لأبناء الجالية الجزائريّة. فمزيدا من التألّق والإنتصارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.