ربما يخطئ من يعتقد بأن عنف الملاعب في الجزائر، بالإمكان معالجته بقرارات ردعية أو بمعاقبة الأندية التي يتسبب أنصارها في إحداث الشغب في المدرجات ونقله من بعد إلى الشارع، لأن كل هذه الحلول قد جربت لكن دون جدوى، لتبقى المعالجة الحقيقية تكمن كما يرى العديد من النقاد، في العمل على تغيير الذهنيات وغرس الوعي وثقافة قبول النتيجة الفنية والتحلي بالانضباط عند الفوز وعند الخسارة في آن واحد. فالمشاهد والتصرفات والحوادث التي تتكرر عند نهاية كل أسبوع وعند كل مباراة حساسة، تبين بما لا يدع مجالا للشك، أن المنتسبين إلى الفئات المشاغبة التي تتسبب في كل ذلك الهلع الذي يعيشه الشارع، عادة ما يعبرون عن سلوكات غريبة، نلمسها في ألفاظهم وفي هندامهم وحتى في أسلوب عنفهم وفي طريقة الانقضاض على ضحيتهم ، وإذا سلمنا بأن تأثيرات اجتماعية عديدة، قد أثرت على سلوك بعض الانصار المتسربين من المدارس وبعض الشاغبين المنحدرين من البؤر الفوضوية، وغيرها من الاحياء التي تنتشر فيها أزمة السكن والبطالة والفقر، ويعيش فيها الشباب هوس الكرة يوميا، بل وفي كل لحظات هذا اليوم، فإن واقع الحال يحمل مسؤولية كل ما يحدث لكل من له علاقة بتأطير حياة هذه الفئات الشبانية المشاغبة التي تنحدر من كل الاحياء وتنتسب إلى كل الأندية من الشرق إلى الغرب إلى الوسط والجنوب، والفشل في مثل هذه الحالة يعني التشجيع على اغتيال كل القيم التي يجب أن توجه سلوك الأفراد، وخاصة جمهور الملاعب، عوض السكوت على هذه الأخطاء القاتلة التي تغرق شبابنا في متاهات تقوده إلى ما لا يحمد عقباه، انطلاقا من غض الطرف عن ممارسات هؤلاء، التي ربما جاءت تعبيرا عن كبت في نفسهم ويريدون التخلص منه ولو بالعنف . ومن هنا لابد من التنبيه إلى أن هذه الظاهرة الخبيثة قد استفحلت، بل وباتت خطيرة على الشارع ومن خلاله المجتمع، لأن عنف الكرة بات قاتلا للافراد وبات ايضا يدخل الناس إلى المستشفيات ويتسبب في إعاقات دائمة وفي تعكير الاجواء بين انصار فرق المدينة الواحدة، على غرار ما يحدث بين انصار الاندية العاصمية كما يحدث بين انصار المولودية المعروفين ب"الشناوة" لكثرة عددهم، وانصار اتحاد الحراش الذين يتباهون بشجاعتهم ك"كواسر" لا تأبه بالصعاب ولا تقيم وزنا لقوة الأخرين أو رعونة "السنافير" الذين كثيرا ما تحولوا في غمرة نشوة الانتصارات أو تأثير الهزائم والخيبات الى عالة على فريقهم وعلى مدينتهم او ابناء "الحمراوة" في وهران، الذين ازعجوا ناديهم فكانوا سببا في سقوطه او "الجوارح" في الشلف التي خرجت مطالبها عن حدود المعقول، و كأن فريقها لابد ان يكون معصوما من الخسارة.. و القائمة لا تستثني احدا من الجماهير المشاغبة والاندية الممارسة للعبة على مستوى مختلف البطولات. العنف في كل مكان والعلاج وصفته لم تحرر بعد ولا شك ان الكثير منا والحال على هذه الوتيرة من العنف الذي كانت حصيلته ثقيلة على الشارع في نهاية الاسبوع المنصرم، انطلاقا من الحوادث التي اعقبت قمة قسنطينة بين الشباب والمولودية او قمة العاصمة بين اتحاد العاصمة واتحاد الحراش، او الفوضى التي تسبب فيها انصار شباب بلوزداد عقب هزيمة هذا الاخير امام اتحاد البليدة بملعب 20 اوت بالعاصمة و غيرها من الحوادث التي سجلت هنا وهناك في ملاعب مختلفة، قد تساءل ما العمل وما هي أحسن وصفة للعلاج؟ الأسرة والمدرسة والمسجد في قفص الاتهام وهنا لابد أن نعترف بأن كل الحلول التي جربت لم تنفع، طالما ان الاسرة لم تقم بدورها في تربية ابنائها من جهة، وطالما ان المدرسة قد اخفقت في تحسيس التلميذ في مختلف اطوار التعليم بخطورة العنف الذي مع الاسف قد طال المدرسة نفسها من جهة أخرى. وقد نضطر لإقحام المسجد الذي تغافل عن هذا الجانب في خطبه ودروسه ومواعظه، باعتبار ان هذه الظاهرة تعنيه هو الآخر، ثم لابد ايضا من تحميل المجتمع المدني ومن خلاله الحركة الجمعوية التي لم تلعب دورها في تحسيس و توعية الشباب بخطورة ما تتسبب فيه اعمال العنف، التي كثيرا ما تحول هدوء الشارع و المحيط الى كابوس مزعج يعكر صفو المجتمع ككل ويربك الامن و يزيد في متاعب المواطن الذي ينشد الطمأنينة على السكينة والهدوء والتسامح وينبذ ثقافة العنف، و هل هناك اجدى من وصفة تأخذ بعين الاعتبار تقويم سلوك الفرد عن طريق التربية والوعظ و الارشاد والتعبئة و التحسيس، وانطلاقا من ذلك لابد ان نتحمل مسؤوليتنا جميعا في القضاء على ظاهرة العنف في ملاعبنا.