تتحدث وسائل الإعلام المصرية عن تضارب تصريحات المسؤولين الجزائريين تجاه مصر في تبني خيار التهدئة، بالرغم من أن التصعيد وصبغ الأحداث الرياضية بصبغة سياسية بدأ من القاهرة ولابد أن ينتهي فيها، في حين أن الدبلوماسية الجزائرية أظهرت مستوى عال من المسؤولية والترفّع عن الدخول في السجال الإعلامي والغوغاء المصرية في إهانتهم لبلد الشهداء بشهادة وسائل إعلام عالمية ومثقفين كبار على المستوى العربي والدولي. عجيب أمر وسائل الإعلام المصرية التي يظهر أنها لا زالت تتفنّن في تدوير تصريحات المسؤولين الجزائريين دائما بما يخدم مصلحتها، ومصلحة النظام الذي يسعى أن يحميها بشتى السبل ليمرّر مشاريع تحافظ على بقائه ودوامه ولو على حساب أشقائه وجيرانه، فتصريحات وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي كانت واضحة لا غبار عليها، بأن »الجزائر ليست في حاجة إلى أية وساطة مع مصر الشقيقة، باعتبار أن علاقاتها عادية وقوية معها، لم ولن تتأثر بأي شكل بسبب مباراة كرة قدم وواجب طي الصفحة، وعدم التعامل مع ما يقال هنا وهناك«، حيث يظهر هذا التصريح روح المسؤولية التي يتحلى بها الساسة الجزائريون عن نظرائهم المصريين، دون أية شروط مسبقة تتحدث عن التعويض كما جرى مع أبو الغيض. ومثله أيضا الوزير الأول أحمد أويحيى الذي اعتبر »أن عدم الرد الجزائري على التصريحات الغوغائية، كان انطلاقا على حرصنا في عدم تأجيج الأوضاع والدخول في السجال مع الشقيقة مصر الذي لا فائدة منه، ولا يخدم مصلحة الشعبين، كما ترك مسألة من يخرج بإكبار وآخر بإذلال من آثار المعركة الكروية التي تجاوزت مستوياتها الرياضية لعامل الزمن«، مما يعبّر عن مستوى النضج الرسمي الجزائري، والمسؤولية تجاه الأشقاء العرب، وهو ما ظهر فعلا في الميدان بعد أن تورطت الدبلوماسية المصرية في محاولة لاستدراج أي رد جزائري، ولو بسحب سفيرها بمصر كما فعلت وهو ما لم يحدث، ويُحسب لصالح الدبلوماسية الجزائرية بتفوق. كما دعّم الموقف الجزائري أيضا وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل، الذي قلّل من شأن الأحداث الأخيرة التي أعقبت المباراة الكروية بين المنتخبين الجزائري والمصري، وبرهن على ذلك من خلال تواجده بالقاهرة لتمثيل الجزائر، وكذا التحضير لإطلاق أكبر مشروع يجمعهما يتمثل في شركة نفطية تحت اسم »سيلينا بترول« باستثمار يناهز 15 مليار دولار، لتطُل علينا وسائل الإعلام المصرية كعادتها دائما بخبر تضارب وتناقض تصريحات المسؤولين الجزائريين وعدم وضوحها، فإلى ماذا يرمون؟ بل هل يَدْعَمُون مصلحة بلادهم، أم يُنفذون أجندة خارجية هم مأجورين عنها مسبقا؟ وهل يريدون تهدئة أم تصعيد؟. وبعد إحساس الساسة المصريين بفقدانهم لمصالحهم بالجزائر، خاصة أنهم سيكونون الخاسر الأكبر أمام تهافت المستثمرين الأجانب على الجزائر، بدأت تستجدي العواطف باسم العروبة ودعم أواصر المحبة تجاه الأشقاء واكتشفوا فجأة أنهم أفرطوا في حق بلد الشهداء، وهو ما بدى جليا من خلال أول خطوة مصرية رسمية، تجلت في دعوة وزير الثقافة فاروق حسني الجزائر للمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد أن تبنوا قرار المقاطعة، وكذا التحضير لخطوات أخرى يرى الكثير من المتتبعين أن القاهرة تسعى من خلالها إلى استدراك الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه دبلوماسيتها في تتبع حملة وسائل إعلامها الهوجاء التي كاد أن تقودها إلى قطع علاقات تاريخية متجذرة مع دولة عظيمة عظمة شهدائها ضحت كثيرا في سبيل قضايا العروبة والأمة.