عاش السودانيون أسبوعا استثنائيا قبل مباراة الجزائر ومصر في 18 نوفمبر الماضي، صنع خلاله أنصار »الخضر« أجواء غير مسبوقة من الحماس بعد »الإنزال الكبير« الذي عرفه مطار الخرطوم الدولي، حيث تحوّلت شوارع العاصمة السودانية إلى أشبه بأجواء المدن الجزائرية، وبقدر ما كشفت هذه المباراة حجم اللحمة بين الشعبين أعطت للعلاقات الثنائية دفعة قويّة. حظيت المباراة التي احتضنها ملعب أم درمان بالعاصمة السودانية قبل حوالي شهر ونصف باهتمام جماهيري محلي واسع، كما شغلت بال كل السودانيين الذي أنساهم »الخضر« أزمة إقليم دارفور ولو لأيام، فقد استعاد الجمهور الرياضي هناك نشوة الانتصار الباهر الذي حقّقه ناديهم المفضّل المريخ السوداني قبل نحو ثلاثة أعوام على نادي الأهلي المصري عندما أطاح به بثلاثية نظيفة وضعته في نصف نهائي أغلى منافسة إفريقية بعد »الكان« وهي كأس رابطة الأبطال. الجزائريون من محبي »الخضر« الذين حالفهم الحظ في التنقل إلى السودان، حوّلوا ليل عاصمتها إلى نهار وأخرجوها عن هدوئها المألوف وهي الأجواء التي تفاعل معها سكان العاصمة بامتياز بعدما اكتشفوا الحيوية النادرة التي يتميز بها المناصرون الجزائريون، وعليه فإن هذه المباراة لفتت كل الأنظار وأصبحت معها الألوان الخضراء والحمراء والبيضاء تكتسح كل مكان، وساهمت في هذه الأجواء العفوية التي أبداها السودانيون بانخراطهم سريعا في هذا الحدث الكروي وأصبحوا يردّدون بإتقان ما بعده إتقان عبارة »وان.. تو.. ثري.. فيفا لالجيري«، ولا تسمع وأنت تتجوّل في شوارع العاصمة هناك سوى كلمة »جزائر.. جزائر«. واللافت في كل هذه هو التجنيد غير المسبوق الذي أبدتها السلطات الجزائرية وعلى رأسها سفارتنا بالخرطوم التي عملت بكل إمكانياتها من أجل ضمان أحسن تكفل بالأنصار بداية من توفير الخيم لضمان إقامتهم دون مشاكل وكذا شراء التذاكر وتوزيعها عليهم بالمجان من أجل تقديم السند الكافي لأشبال رابح سعدان، وتزامن ذلك مع الإنزال الجماهيري غير المسبوق على أراضي السودان بمعدل 50 رحلة جوية خاصة قادمة من الجزائر بأوامر من الرئيس بوتفليقة، حيث ساهمت كل هذه الإجراءات فيما يشبه »غزوا جماهيريا« لا يمكن أن يصنعه سوى الجزائريون. وبعد أن تفاعل الجميع بحماس مع أجواء المباراة وكان اللاعبون بمثابة جنود حقيقيين في الميدان وثأروا لكل ما حدث لهم في القاهرة على طريقتهم، اكتمل العرس وعمت الفرحة كل أرجاء السودان وبخاصة الخرطوم التي خرجت عقب نهاية المباراة مباشرة، عن بكرة أبيها، للاحتفال بهزيمة المصريين، فكان مئات الآلاف في الموعد عبر كل المسالك والشوارع والطرق للتعبير عن فرحة التأهل إلى المونديال،فامتزجت الأهازيج وتلاحمت الجماهير السودانية والجزائرية إلى درجة ندم فيها المصريون على اختيار أم درمان لإجراء المقابلة الفاصلة.