من الجزائر إلى المريخ.. كل شيء يهون من أجل ''الخضر'' من العاصمة الجزائر، إلى العاصمة الخرطوم، كانت ''الحوار'' ضمن أنصار ''الخضر'' الذين تنقلوا بقوة لتشجيع زملاء حليش، للعودة بتذكرة التأهل التاريخية إلى المونديال. وبعد انتظار ساعات طويلة بمطار الجزائر الدولي، بدأ توافد طائرات الخطوط الجوية الجزائرية المكلفة بنقل الأنصار، لتعم الفرحة، وتخفف من غضب وتذمر المشجعين الذين اشتبكوا في العديد من المرات مع قوات الأمن، ما تسبب في إلحاق خسائر بالمطار، كتكسير زجاج الأبواب، وفور ولوج طائرة ''إيربوس'' للجوية الجزائرية بسعة 288 مقعد، انطلقت الأهازيج والأفراح، حتى تدخل قائد الطائرة وطلب من الأنصار الهدوء وربط أحزمتهم لأن الطائرة ستقلع في غضون لحظات. وبمجرد انطلاق الطائرة ومعانقتها الأجواء، صفق الجميع، ورردوا ''جيش شعب معاك يا سعدان والڤيرّة في السودان''، الساعة أثنائها كانت تشير إلى السابعة ليلا، واستمرات الرحلة لمدة 5 ساعات، ولم نحس بالوقت يمر مع استمرار الهتافات والأهازيج، وكان الوصول إلى مطار الخرطوم الدولي في حدود منتصف الليل، غير أن الفرق الساعي جعل أن التوقيت بالخرطوم يشير إلى الثانية صباحا من يوم الأربعاء، وبمجرد أن وطأت أقدامنا أرض السودان، أحسسنا بدعم الجميع هناك، حيث كان رجال المطافئ والإسعاف وأعوان المطار يبادلوننا الابتسامة والتحية، ويقولون لنا ''الجزائر''، وتأكدنا من هذا الدعم بعد أن رأينا أغلب السيارات والشاحنات ووسائل النقل المختلفة حاملة للراية الوطنية، وبعد مرورنا على مكتب التسجيل والسكانير، بخفة متناهية، كانت في انتظارنا حافلات مخصصة لنقلنا إلى المعرض الدولي للخرطوم، وقضى معظم الأنصار الذين التحقوا في ذلك الحين وقتهم كله يتجاذبون أطراف الحديث، والصلاة، إلى غاية آذان الفجر في حدود الخامسة والنصف، ليستمر السمر حتى بزوغ النور، ثم تنقلنا لنجوب الخرطوم، لنتعرف على الأجواء، وأثر مباراة مصر على السكان.العاصمة الخرطوم عاشت على وقع أهازيج أنصار ''الخضر''، طبعتها متابعة منقطعة النظير لكل الأخبار التي دارت حول مباراة الأربعاء الفاصلة بين المنتخب الوطني أمام نظيره المصري.ورغم محاولة بعض الأطراف التأثير على الشعب لأسباب نجهلها، إلا أننا شهدنا التفاف ''الخرطوميون'' حول ''أبناء الخضرة''، فذابوا في هتافاتهم، وجابوا معهم الأزقة والشوارع الرئيسية لللخرطوم وأم درمان التي احتضنت المباراة لتتواصل الاحتفالات مباشرة عقب صافرة نهاية المباراة، وإعلان اسم الجزائر كممثل وحيد للعرب في كأس العالم بجنوب إفريقيا، إذ خيل للبعض أن السودان والجزائر مجرد اسمين مختلفين لبلد واحد حقق حلم 70 مليون سوداني وجزائري بعد التأهل إلى المونديال، فلم يتردد أي سوداني في إعلان ''ولائه'' لزملاء زياني، وكل من تسأل عمن يناصر بين المنتخبين، يقول لك مباشرة ''الجزائر طبعا''. ''وان تو ثري فيفا لالجيلري'' على لسان كل السودانيين لم نكن نتوقع أن نلقى ذلك الالتحام القوي بين السودانيين والجزائريين من خلال مباراة كرة قدم، فالسودانيون يعشقون ليس فقط بلد الشهداء، بل يعشقون كذلك كرة القدم واللعب الجميل الذي يقدمه اللاعبون الجزائريون، على غرار زياني ومغني وصايفي وبوقرة وحليش، وكان التواجد القوي لأنصار ''الخضر'' منذ يوم الإثنين الماضي بالخرطوم، كافيا لتلقين أبناء الخرطوم وأم درمان بعض الطرق الخاصة في مناصرة المنتخب الوطني، على غرار ''وان تو ثري، فيفا لالجيري''، التي أصبحت على لسان كل السودانيين، والطريف هو أن السودانيين ينطقون هذه العبارة بلهجتهم الخاصة وبدلا من ''ثري'' فإنهم يقولون ''سري''، وزاد الطلب على الراية الوطنية من قبل السودانيين، وهذا ما دفع بعض التجار المحليين إلى خياطة أعلام جزائرية ووضعها للبيع ب 10 جنيه، ما يعادل حوالي 450 دج، وفسر لنا أحمد وهو سائق دراجة نارية بثلاث عجلات مغطاة، أن سر وقوف كل السودانيين مع الخضر، يعود إلى حادثة، تشجيع المصريين للمنتخب التشادي في ,2005 عندما تقابل مع السودان بالقاهرة، على خلفية رفض أحد اللاعبين السودانيين اللعب للمنتخب المصري، ولعب للسودان. المشجعون المصريون استمتعوا بسيمفونية أنصار ''الخضر''! توافد عدد كبير جدا من المشجعين الجزائريين على ملعب المريخ، لتمتلئ المدرجات المخصصة لهم في الساعة الخامسة والنصف بتوقيت السودان، أي 3 ساعات قبل بداية المباراة، وبدأت منذ تلك اللحظة سيمفونية ''الخضر'' تعزف أغانيها التشجيعية، تحت درجة حرارة بلغت 40 درجة مئوية، في مدرجات مفتوحة على أشعة الشمس، ولم يثن ذلك أحد من أنصار الخضر على الوقوف والتشجيع، إلى غاية دخول اللاعبين إلى الميدان في حدود الثامنة إلا ربع، وألهب ذلك الأنصار، ومدهم بالمزيد من الطاقة، وتواصلت التشجيعات إلى غاية توقيع عنتر يحيى الهدف التاريخي، واستمرت إلى غاية إعلان الحكم السيشيلي نهاية المباراة.أما الجماهير المصرية، فرغم حضورها القوي، غير أن دورها كان سلبيا، وبقيت تتفرج و''وتستمتع'' بما كان يفعله أنصار الخضر في الجهة المقابلة، واللوحات الفنية التي كانوا يرسمونها فوق المدرجات. مشادات بين المشجعين.. والإعلام المصري يهول الحادثة اشتعل فتيل مواجهات بين أنصار المنتخبين الجزائري والمصري، على الطريق الرئيسي المؤدي إلى ملعب المريخ، والتي كانت تشهد تواجدا حاشدا للخضر مقابل مرور محتشم للمناصرين المصريين، وبالرغم من ذلك إلا أن بعض أنصار الفراعنة تعمدوا إثارة الجزائريين، من خلال الدعاء بخسارة الخضر بمجرد اقترابهم من حشود الجزائريين، وهذا ما تسبب في حدوث مناوشات، سرعان ما سيطر عليها بعض العقلاء من المناصرين الجزائريين والسودانيين كذلك، وكنا نسمع عن حدوث مناوشات بين أنصار المنتخبين، هنا وهناك، والأكيد أن حدة هذه المواجهات لم تكن بالخطورة التي صورها الإعلام المصري، بدليلعدم ورود أي إصابات خطيرة في صفوفهما، وسط تواجد 15 ألف عنصر أمن لتأمين المباراة، ومشجعي الفريقين. كل شيء يهون من أجل ''الخضرة'' ونظرا للتوافد غير المسبوق لأنصار الخضر على الخرطوم وأم درمان، فإن السفارة الجزائرية وضعت بالتنسيق مع السلطات السودانية ترتيبات لإيوائهم من خلال تسخير مخيمات بالقرب من السفارة، وكذا وضع المعرض الدولي للخرطوم، الذي هو عبارة عن مجموعة من الصالات الكبيرة، مجهزة بدورات مياه نظيفة، ونقطة لبيع الأكل وكافيتيريا. ولكن النقطة السوداء هي عدم توفر أفرشة، حيث اضطر أغلب الأنصار إلى افتراش الكرتون، فيما تمكن البعض الآخر من إيجاد قطع مستطيلة الشكل من الإسفنج، وفت بالغرض، أما البعض الآخر فقد جلب معه أغطية من الجزائر. ''محمد'' جزائري مقيم بسوريا، خاطر بترك وظيفته وتنقل لمناصرة كتيبة سعدان وكان تواجد الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج، خلال هذه المباراة الفاصلة، حاضرة بقوة لمناصرة الخضر، وإظهار مساندتها المطلقة لكتيبة سعدان. وفي هذا السياق، التقت الحوار بالشاب محمد ماهر، وهو جزائري من أب جزائري وأم سورية، حيث يقول ''غامرت بوظيفتي في الإمارات كمهندس معماري، واشتريت تذكرة سفر مباشرة من الشارقة إلى الخرطوم، لأسجل مساندتي للخضر بعدم الانتهاكات التي تعرضوا لها في مصر، وحقرة الفيفا للفريق، وتواطؤ حكم التماس خلال مباراة القاهرة مع المصريين بعدم إعلانه للعديد من وضعيات التسلل التي سجل على إثرها الهدفان''، وأضاف محمد ماهر الذي تقرأ في ملامح وجهه غيرة الجزائري على وطنه، ''أنه لم يتوقع أبدا أن يقوم بمثل هذه السفرية، إلا أني لم أفهم ما قمت به، وأعتقد أنه تصرف عفوي من جزائري أراد أن يسجل دعمه لسعدان وأشباله''. كما سجل العديد من الجزائريين حضورهم هذه المباراة، قادمين من أماكن بعيدة من مختلف بقاع العالم من أجل مناصرة الخضر، على غرار سيد أحمد، أب لطفلين، مقيم بكندا، حيث يؤكد أنه ترك كل عائلته وتنقل للسودان، شأنه في ذلك شأن أمين القادم من إنجلترا، وسفيان من فرنسا، وسليمان من ألمانيا، والقائمة طويلة، وكلهم سجلوا حضورهم بالخرطوم، وملعب المريخ وناصروا الخضر، وشاركوه صنع هذا التأهل التاريخي. أنصار ''الخضر'' ينعشون بورصة السياحة، التجارة والعملة الصعبة أحمد، عون في بنك السودان، مكلف بتبديل العملة الصعبة، على مستوى مطار الخرطوم الدولي أكد أنه لم يشهد أبدا هذه الحركة الكبيرة التي أحدثها التوافد الكبير لأنصار الخضر الذين قارب تعدادهم 15 ألف مناصر.وأكد أحمد أنه لم ينم منذ 3 أيام متتالية بعد أن ألزمه البنك بالمرابطة في مكانه من أجل ضمان ملء خزينة العملة الصعبة بالأورو الذي يحمله المناصرون الجزائريون عبر ال 150 رحلة بين الجزائروالخرطوم، لتبديله بالجنيه السوداني. وبالمقابل، انتعشت سوق السياحة والفندقة، إذ امتلأت كل الفنادق المتواجدة بالخرطوم والمجاورة لها بأنصار الخضر، الذين قدموا بقوة، فراداى وجماعات، أو من خلال رحلات منظمة تكفلت بها بعض المؤسسات الاقتصادية. وحاولت السلطات السودانية الإبقاء على سعر الحجز، دون ارتفاعه، حتى تضمن خدمة ''عادلة'' للجميع، غير أن ما وقفنا عليه على أرض الواقع أثبت العكس، حيث اغتنمت بعض الفنادق الفرصة من أجل تحقيق صفقة العمر، من خلال الزيادة في سعر حجز الغرف، حتى في الفنادق ذات النجمين والثلاثة نجوم. وبالنظر إلى التوافد الكبير للأنصار الذين قضوا الليل في المركز الدولي للمعارض الخاص بالسودان، والذي وفرت فيه وزارة التضامن الوطني الأكل والشرب، والفراش للمناصرين، فإن أغلب المناصرين بدأوا في صباح المباراة التوافد على المقاهي، ومحلات بيع ''الشاورما'' والطعمية، إلى جانب المشروبات الغازية والمعدنية، والكعك والحليب ومشتقاته. هذه الحركية الكبيرة في الشراء، أثلجت صدور التجار السودانيين الذين تمكنوا في ظرف قصير من التخلص من سلع وبيع أخرى يقل الإقبال عليها من السودانيين على غرار الياغورت والحليب. محفوظ يمثل ذوي الاحتياجات الخاصة بالخرطوم وقد التقت الحوار بالقرب من ملعب المريخ، بالشاب محفوظ، الذي يعاني من إعاقة، حيث لم يثنه ذلك عن التنقل إلى الخرطوم لتمثيل فئة ذوي الاحتياجات الخاصة خلال مباراة الخضر. وقال محفوظ، وهو طالب جامعي في السنة الثالثة بمعهد علم النفس ببوزريعة، إنه أبى إلا تحدي إعاقته، وقطع آلاف الكلومترات من أجل مناصرة الخضر. وأكد أنه المعوق الوحيد الذي تمكن من السفر إلى الخرطوم، وتمثيل هذه الفئة. البطل الأولمبي بن يخلف حاضر بالخرطوم وسجل البطل الإفريقي في الجيدو، عمار بن يخلف حضوره مع جحافل الأنصار المتنقلين إلى الخرطوم لمناصرة الخضر، وصرح ل ''الحوار'' قائلا: ''لم أتمكن من منع نفسي من المجيئ إلى الخرطوم، لقد حز في نفسي ما تعرض له اللاعبون والأنصار في القاهرة، لقد أحسست أنه من واجبي أن أسجل حضوري بملعب المريخ.'' وكان لقاؤنا ببن يخلف بمطار هواري بومدين، وتنبأ أثناءها بفوز ''الخضر'' بثنائية نظيفة، غير أن الهدف الوحيد الذي سجله يحيي كان كافيا. ''هاذي السودان ماشي القاهرة'' وسادت أجواء من المرح والحماس في المدرجات، ولم يفوت بعض المناصرين الموهوبين بابتداع الأغاني بكلمات تنم عن ذكائهم. وأبرز أغنية هي تلك التي تقول كلماتها القصيرة والمعبرة ''هادي السودان ماشي القاهرة، هادي السودان ماشي القاهرة''، والتي كان يقصد بها أن المنتخب الوطني سيحقق فوزا كاسحا لأنه ببساطة في أحضان السودان المضيافة، وليس في القاهرة التي أساءت استقبالهم. أغنية أخرى أثارت السخرية هي الأخرى تقول كلماتها '' وفي السودان المصري حبس قلبو، وفي السودان المصري حبس قلبو'' ما يعني أن هدف عنتر يحيي قد رد الصاع صاعين وكان بمثابة ضربة قاضية للمصريين. أكبر مناصرة للخضر حاضرة بالمريخ كما رصدت ''الحوار'' سيدة في عقدها السادس، وأكدت أنها تنقلت لوحدها إلى الخرطوم للوقوف مع الخضر في مباراتهم الفاصلة. كانت تشق طريقها إلى مدرجات ملعب المريخ بخطى ثابتة وفرحة عارمة تغمرها، وسارع الشباب الجزائري إلى مرافقتها، والتدافع لأخذ صورة تذكارية معها. وقد توافدت بعض الفتيات إلى ملعب المريخ، إلا أن هذه السيدة كانت أكبرهن، لتكون بذلك أكبر مناصرة للخضر بالسودان.