لم يكن أحد يتصور أن تخرج العاصمة السودانية عن هدوئها المعتاد لتحتفل بالفوز الكبير للمنتخب الوطني، ولم يكن أحد أيضا يعتقد بأن السودانيين كانوا ينتظرون الانتصار الباهر الذي حققه محاربو الصحراء ليعبروا بتلك الصور الرائعة وأكثر من أي وقت مضى عن مدى تعلقهم ببلدهم الثاني الجزائر.. وباختصار فإن الخرطوم تحوّلت أمس إلى ولاية جزائرية بكل المقاييس. ما أحلاها نهاية عشناها سهرة أمس بملعب أم درمان وبعدها خارجها وكم كانت الفرحة عارمة هنا في السودان، فأنصار المنتخب الوطني عاشوا ليلة من أحلى الليالي بعد أن أثبتوا للعالم كله وللمصريين على وجه التحديد بأنهم الأحسن والأجدر والأقدر والأحق بالمرور إلى المونديال، كما أسكتوا أصوات الفتنة ووضعوا حدا لغرور المصريين الذين ذهلوا منذ البداية بمستوى رفقاء جدار الصد رفيق حليش الذي كان طيلة التسعين دقيقة بمثابة صمام الأمان. وبهذا الفوز الباهر والرائع أعاد الخضر إلى أذهان السودانيين صور الفوز الساحق الذي حققه ناديهم العريق الهلال على حساب الأهلي المصري قبل عامين بثلاثية نظيفة، وهو ما عشناه طيلة الليلة المنقضية التي كانت بالغة في الروعة بألوان المنتخب الوطني، فقد هبّ كل السودانيين ومن كل الأعمار والفئات إلى الاحتفال جنبا إلى جنبا مع الجماهير الغفيرة للجزائريين التي صنعت الفرحة والفرجة معا وأبكت الملايين ممن كانوا على شاشات التلفزيون وآلاف الأنصار الذين حضروا إلى أم درمان بعد ساعة ونصف عاشوها على الأعصاب. انتصار المنتخب الوطني أثبت كذلك صحة ما تحدثنا عنه قبل المباراة، فالسودانيون كانوا فعلا في الموعد وهتفوا بالجزائر وحملوا الرايات الوطنية، فبعد الشباب والرجال والأطفال جاء الدور بعد نهاية المواجهة على النساء اللواتي خرجن بعشرات الآلاف ولسان حالهن يقول: »مبروك للجزائر نحن كلنا فرحانين لهذا الإنجاز«، وفي المقابل لم يظهر أي أثر للمصريين الذين خرجوا يجرون أذيال الهزيمة. حلم الدقائق الأخيرة يتبخر انتظر المصريون الدقائق الأربع الأخيرة ليروا منتخبهم يعود في النتيجة لكن شاوشي وحليش وزاوي وكل اللاعبين كانوا بالمرصاد لكل هجماتهم، بل إن الخضر لعبوا بأعصاب الفراعنة الذين استسلموا في النهاية وتأكدوا بأن الجزائر لن تتنازل عن الذهاب على المونديال، فلا زيدان ولا عماد متعب ولا عبد ربه وآخرون استطاعوا اختراق السد المنيع، وحتى عصام الحضري عاش لحظات عصيبة ربما لم يعشها طيلة مشواره الرياضي في تلك الأثناء التي سجل عليه الهدف، فقد بدا متأثرا ولم يكن قادرا على الرد على الهتافات التي كان الصحفيون يطلقونها عليه طيلة الشوط الأول. وربما لن يجد المصريون ما يقولونه بعد ليلة أمس سوى التذرع بسوء الطالع، وربما يقولون أيضا إن الجزائر لعبت في الدفاع أو أشياء من قبيل عدم الاعتراف بالهزيمة، ولكن الأكيد أن الفراعنة لن ينسوا الصور التي صنعها الخضر في الميدان والأنصار خارجه وسوف لن يجرؤوا بعد الآن على التطاول على الجزائر وتاريخها الكروي العريق، وعليه فإنه رغم إنجازات الجيل الحالي للفراعنة فإن المنتخب الوطني بقيادة الكابتن يزيد منصوري والشيخ رابح سعدان أكدوا مرة أخرى أنهم الأجدر وأن هزيمة السبت الماضي فرضتها ظروف يستحيل في إطارها فعل أكثر ما فعله رفقاء كريم زياني ومجيد بوقرة. درس في كرة القدم وفي الوفاء قد يكون من غير اللائق أن أشير إلى هذا الأمر ولكن الإحساس الذي ينتابني يدفعني إلى التأكيد بأنني لم أعش في حياتي أجواء الفرحة التي عشتها أمس بعد نهاية المباراة، فمنذ مغادرتي مطار هواري بومدين الدولي وأنا أحمل هما واحدا: ترى كيف ستكون نهاية هذه الرحلة؟"، ولكن في النهاية عشنا نشوة الانتصار، وأجمل المشاهد التي صنعها الجزائريون أمس تلك التي كان المغامرون أبطالها فوق مدرجات ملعب أم درمان، والحق أقول بأنهم قبل وأثناء المباراة تركوا الجمهور المصري مبهوتا لهول ما يرى من وفاء للوطن. لقد الجزائريون المنتخب المصري درسا في كرة القدم وفي الوفاء وهم ممتنون لمبادرة السلطات العمومية التي بذلت كل ما بوسعها من أجل ضمان وصول الدعم الكافي من الأنصار إلى محاربي الصحراء وهو ما تم فعلا. أعلام الجزائر في كل مكان والكل يطلبها واللافت بعد مباراة أمس أن العلم الجزائري تحوّل إلى أغلى هدية يطلبها الشعب السوداني الذي كان كلها يردّد "سرفتو السودان.. تحيا الجزائر"، وفي ظل هذه الأجواء أثبت أنصار المنتخب الوطني أكثر من أي وقت مضى بأنهم كبيرون في الروح الرياضية لأنهم التزموا بكل التعليمات وتجنبوا رمي الألعاب النارية التي كانت حاضرة بقوة رغم الإجراءات الأمنية، كما قطعوا الشك باليقين بأن للجزائر جمهورا كبيرا رغم مخاوف السلطات السودانية التي بدت واضحة من خلال التعزيزات الأمنية غير المسبوقة التي اتخذتها خصوصا في المدرجات المخصصة لمشجعي الخضر.