لم يفوت الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم الفرصة في لقائه بأمناء المحافظات، ليعبرعن غضبه من الكيفية التي جرت بها الانتخابات لمجلس الأمة، وغضبه الشديد من أمراض الجهوية والقبلية والعشائرية المستوطنة لدى بعض المناضلين من أصحاب نظرية "دابنا ولا بغلهم". وإن كانت الأحزاب تقوم على السعي إلى الوصول إلى السلطة، فإنها قبل أن تكون كذلك، هي أفكار ومبادئ وقيم وسلوك وانضباط وتضحية تنمحي أمامها التصرفات القبلية والعشائرية والمصلحية الضيقة، وتذوب داخلها كل الفروقات التي لا تستند إلى الواقع الموضوعي ومعطيات الراهن ومتطلبات الحزب. حزب جبهة التحرير الوطني الذي نشأ على النقيض من تلك الأعراف البالية، وجمع بين أحضانه كل ألوان الطيف الاجتماعي والثقافي بصرف النظر عن طبقاتهم وقبائلهم ولهجاتهم، لا يمكن أن يسقط في الفخ ولن يعود إلى الوراء حتى ولو عمد منافسوه إلى"الشكارة" وإلى إثارة نعرات الجاهلية الأولى، وبذات الوقت لا يقبل من مناضليه اللجوء إلى هذه الممارسات المقيتة، ولا تقديمها كمبررات لتفسير عدم جني بعض مرشحيه ثمار تواجده المكثف عبر منتخبيه في عدد من الولايات، التي هي ولايات جبهوية قلبا وقالبا، أحب من أحب وكره من كره. السيد بلخادم الذي بدا ممتعضا في لقائه الأخير بمسؤولي القاعدة، لم يمر مرور الكرام على ما فعله بعض المتنطعين من الذين ترشحوا خارج الإطار النظامي، وضيعوا على الحزب فرصة ثمينة لجني محصول سياسي، افتكه المناضلون المحليون عن جدارة واستحقاق في الانتخابات البلدية والولائية والتشريعية، بصدقيتهم لدى الناخبين وبنضالهم المستميت في مواجهة حملات شرسة من قبل أحزاب منافسة جعلت دوما من حزب جبهة التحرير الوطني الغريم الذي يتعين النيل منه بكل الوسائل والسبل. غضبة بلخادم، وجدها المناضلون مبررة ومشروعة، لأنهم يدركون ويلمسون من مواقعهم النضالية أن الجهوية والقبلية وربما "الشكارة" قد بدأت تتسرب كخلايا سرطانية كرد فعل لممارسات في أحزاب أخرى، ولذلك يتعين انطلاقا من هذا الدرس تحصين الحزب ضدها والتخلص من الأعضاء المريضة بغلق باب المؤتمر في وجوههم ابتداء. كيف لحزب جبهة التحرير الوطني أن يسجل أفضل النتائج في مواجهة المنافسين ويفتك المراتب الأولى في كل الانتخابات على اختلافها، ثم لا يستطيع أن يحصد ثمار جهده في انتخابات محصورة بين منتخبين أو تكاد في بعض الولايات! ولو أن الحزب قد أبلى البلاء الحسن في جل الولايات، وما يزال القوة الأولى والعمود الفقري للحياة السياسية في الجزائر، فإن المناضلين والقيادة مدعوون إلى الوقوف بحزم لتصحيح المعوج واجتناب الميؤوس منه، ولعل المؤتمر القادم في مارس المقبل سيكون الحد الفاصل بين المنضبطين والمتنطعين، ذلك ما يأمله المناضلون، ألا هلك المتنطعون.