كتب إلي الزميل عبد الناصر محمد فاروق هذا الموضوع الذي أعتز به وأريد أن أشرك القرّاء فيه عساه يجد من يقاسمه هذا الرأي: »علمتنا تجارب الشعوب أن بعضها يستفيد من عثراته وسقطاته بل حتى نكباته، ويبني من إخفاقاته نجاحات مبهرة قوامها نهضة شاملة لمواكبة العصر دون السقوط في فخ التجني على أصالتها وتراثها، وفي المقابل تقف أمم أخرى على النقيض من ذلك تماما، كأنما عميت أبصارها وبصائرها عن رؤية ما جاورها وعاصرها أو سبقها من حضارات، فلا شيء يحرك وجدانها الجماعي لتبوء مكانة مرموقة بين الشعوب المتحضرة، وكل ما تتطلع إليه وتبغي أن لا ينقطع حبل وصاله هو أن يتكرم عليها الآخرون بما أنتجته أفكارهم وإبداعاتهم، ولا يخجلها حتى أن تفتح أفواه أفرادها طلبا لسد حاجتهم من الغذاء في كل وقت وحين، وفي ذلك حتما ارتهان لمصائر شعوبها بيد أعدائها المتربصين بها. لقد كان لنا في كل من اليابان وألمانيا والصين والولاياتالمتحدةوإيران نماذج عن أزمات عرفتها أمم يختلف بعضها عن بعض كثيرا أو قليلا، لكنها تلتقي في نقطة واحدة هي أنها استوعبت جميعها دروس الماضي، وأيقنت أن صناعة مستقبلها كما تريده يرتكز بالأساس على إرادة صلبة في الحاضر من أيامها، وأن استغلال المادة والثروة في باطن الأرض وعلى ظهرها ينبغي أن يسبقه أو يصاحبه استثمار الإنسان، فبذلك تنهض الأمم وتتقد فيها جذوة بناء الذات واستقلالية القرار وسيادة الأوطان بعيدا عن روح الإتكالية على الغير... من الواضح أيضا أن أزمة الغرب مع إيران ليست برنامجها النووي وتهديدها للسلم والأمن العالميين، كما تصدح بذلك آلة الدعاية الإعلامية في الولاياتالمتحدة وغيرها، ولكن كبر على أنفسهم أن يسمعوا عن نهضة هذا البلد واعتماده على قدراته الذاتية في الرقي بالأمة الإيرانية، ورغم كل التهديدات والتلويحات والتلميحات يأتي الرد من طهران بالقول الفصل الذي لا يحتمل أي تأويل: "نحن ماضون ولو كره الكافرون!"، فالإيرانيون قد تعلموا الكثير من أزماتهم الداخلية والخارجية، ولا شك أن الأزمة الحالية ستزيد من همتهم وترفع عزيمتهم في تحقيق استقلالية قرارهم السيادي، وإن كان الثمن لا بد سيكون باهظا... هي الأزمة تلد الهمة كما قال جمال الدين الحسيني الأفغاني، ولكن هل ينطبق هذا القول على أمتنا التي عرفت ولا تزال تعرف أزمات يتناسل بعضها من بعض؟ واقع الحال يقول إن الأزمة لا تلد الهمة دائما، فنحن على سبيل المثال قوم لا نستفيق مهما أشبعنا غيرنا ضربا، وليس لنا مشروع نهضوي رغم كل المحن التي ذقناها بأيدينا وأيدي غيرنا، وإن استمر الحال على حاله وظل السواد الأعظم من الناس دون من يقودهم فكريا من رجال الأمة نحو نهضة حقيقية لا تنقطع بانقطاع روادها، فحينها قد يصبح مصيرنا أن نهلك أنفسنا بأيدينا ونعيش خارج حركة التاريخ. شكرا لك يا عبد الناصر وحال الأمة بعضها من بعض..!