دعا كاتب الدولة السابق للإحصاء والاستشراف بشير مصيطفى، أمس، إلى تطهير السوق النقدية وإدارة السيولة عن طريق إطلاق الدينار الجزائري الجديد في غضون 06 أشهر كمرحلة انتقالية، مشيرا إلى أن الجزائر لا زالت تتمتع بهامش مناورة لتجنب صدمة اقتصادية في الأفق، مضيفا أنه يتناقص مع الوقت بالنظر إلى التأخر المسجل في تطبيق نموذج النمو الجديد. قال المستشار بقسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جون فرانسوا دوفان، أن أمام الجزائر فرصة استثنائية لبناء اقتصادها، ما هي قراءتكم؟ هذا الكلام ليس جديدا وقد سبق للخبراء والمحللين الجزائريين أن قدموا نفس الرأي منذ بداية التراجع في أسعار الخام أواخر 2014 وهي السنة التي أقفلت على بيانات مستقرة في الاقتصاد الجزائري . وما زلنا نؤكد أن الجزائر لا زالت تتمتع بهامش مناورة لتجنب صدمة اقتصادية في الأفق ولكنه هامش يتناقص مع الوقت بالنظر إلى التأخر المسجل في تطبيق نموذج النمو الجديد. والدليل على هذا الرأي هو التراجع السريع في موجودات النقد الأجنبي بمعدل وصل الى 3 ملايير دولار شهريا منذ مطلع 2016 وإلى 1.9 مليار دولار شهريا منذ منتصف 2015 حيث يعد هذا التراجع مؤشرا عن أزمة مالية في الأفق وبعدها الأزمة الاقتصادية . ولحد الساعة لازلت البلاد في مستوى أزمة موازنة بدرجة عجز متوقع قدره 30 مليار دولار آخر 2016 ما يعني 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ، ومقارنة بدولة مشابهة مثل مصر حيث نسبة عجز الموازنة 98 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ندرك الفرصة التي مازالت أمام الجزائر لتجنب حالة تفاقم الموازنة وتفاقم وضعية ميزان المدفوعات والذي مازال يتكئ على 116 مليار دولار آخر السنة . لمواجهة الصدمة البترولية، طرح ممثل الصندوق الدولي مجموعة اقتراحات منها تمكين الاقتصاد من استعادة صحته من خلال امتصاص العجز العام والخارجي وكذا القيام بمجموعة إصلاحات هيكلية تساهم في تحرير إمكانيات القطاع الخاص والتنويع الاقتصادي وتحقيق النمو، ما رأيكم؟ هي نفسها الإجراءات متوسطة المدى التي جاءت في نموذج النمو الجديد والمصادق عليه في آخر مجلس للوزراء يوم 27 جويلية 2016 ، وسبق للخبراء الجزائريين أن تقدموا بنفس الرؤية وزادوا عليها الانتقال من وضعية الارتباط بالمحروقات إلى فك الارتباط بالسوق البترولية لصالح تنويع الاقتصاد عبر 11 قطاع اقتصادي سميناها بالقطاعات " الراكدة " . والهدف من رؤية النمو الجديد هو تحقيق مستوى نمو مستديم عند 7 نقاط مئوية كشرط للإقلاع في 2019 و نمو في مستوى 10 نقاط مئوية لتحقيق الصعود آفاق 2030 . والطريق إلى ذلك رفع مساهمة القطاعات الراكدة في الناتج الداخلي الخام من 20 بالمائة حاليا إلى 50 بالمائة لتحقيق التوازن المطلوب في سوقي السلع والنقد الأجنبي . قدم جون فرانسوا دوفان خمس وصايا كبرى للجزائر تتمثل في تحسين مناخ الأعمال بتقليص الثقل البيروقراطي، اعتماد الشفافية والتنافسية وفتح اقتصاد جزائري مبني على التبادلات التجارية والاستثمارية الأجنبية، تحسين أداء العمل، كيف ترون تحقيق هذه الوصايا؟ توصيات صحيحة وهي خلاصة عمل صندوق النقد الدولي منذ إنشائه العام 1944 ولكنها أيضا خلاصة علمية وعملية لبرامج التصحيح في كل الدول التي تمر بمصاعب اقتصادية. ونزيد عليها في الحالة الجزائرية : ضبط السياستين النقدية والمالية بترسيم سوق الصرف الموازية في إطار رؤية شاملة لضبط سياسة الصرف وامتصاص فائض السيولة عن طريق آليات متطورة لإدارة ادخار العائلات والمؤسسات ، وإطلاق وزارة منتدبة للجباية وظيفتها إدارة الجباية العادية وتحسينها ، وعلى مستوى الاستثمار من الضروري الانتقال من تمويل الاستثمار عن طريق السوق النقدية إلى سوق رأس المال " شركات الاستثمار " وسوق الأوراق المالية " البورصة " . وعلى المدى القصير لا مفر من تطهير السوق النقدية وإدارة السيولة والطريق إلى ذلك إطلاق الدينار الجزائري الجديد في غضون 06 أشهر كمرحلة انتقالية. تتضارب تحليلات الخبراء والمختصين حول مستقبل سوق النفط، حيث الملاحظ أن أسعار النفط لا تزال على حالها، هل ترون إمكانية رفعها؟ سبق لي وأن قدمت قراءتي لاتجاهات سوق النفط منذ ماي 2014 ونشرها موقع " مصر العربية " في وقتها عندما كان السعر في مستوى 114 دولار للبرميل ، وهي قراءة مبنية على الاستشراف وتأكدت صحتها أواخر 2014 وحتى الآن وتتلخص في : اتجاه عام للتراجع نحو 40 دولار للمدى المتوسط والبعيد مع ترددات بين 40 دولار و 50 دولار للمدى القصير ولا تسمح الخارطة الجديدة للطلب وعرض النفط التقليدي بتجاوز مستوى ال 50 دولار للبرميل وهو ما نشرته الصحافة لي في جانفي 2016 أي قبل 8 أشهر . الاستشراف لا يعمل بإشارات المدى القريب "2019 فما دون " بل بالمديين المتوسط والبعيد " 2019 فما فوق "ولهذا يبدو لي سعر 50 دولار للبرميل لا يصلح للتوقع الرشيد والمطلوب من الحكومة العمل بسعر مرجعي للسوق عند 40 دولارا للبرميل في تصميم قوانين مالية الدولة القادمة .