قال الدكتور أحمد عظيمي، محلل سياسي مختص في الدراسات الأمنية في حديث ل »صوت الأحرار«، إن لدى بوتفليقة فرصة تاريخية لتجنيب الجزائر كل مظاهر العنف، مؤكدا أن رفع حالة الطوارئ لن يضيف أي جديد للمواطن البسيط، حيث أن المواطنين لم يعودوا يشعرون بوطأة حالة الطوارئ منذ 1998، فيما اعتبر أن المبادرة يجب أن تساهم في فتح المجال السياسي أمام النخب المثقفة والأحزاب السياسية والجمعيات من أجل تكريس مزيد من الديمقراطية التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية للنظام الجزائري بما يضمن بناء دولة القانون. *كيف تقيمون قرار رفع حالة الطوارئ والإجراءات المرافقة له؟ إن قرار رفع حالة رفع الطوارئ أمر عادي جدا لأنه يعد في الأصل مطلبا قديما لعديد الجهات السياسية على الأقل خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث أن دواعي فرض هذه ا لحالة اختفت ولم تعد موجودة منذ سنوات مضت، ويبقى أن هناك إجراءات لمواصلة القضاء على أفول الإرهاب وهو أمر عادي جدا ويدخل في إطار نشاط الجيش وقوات الأمن، وعليه فما يمكن ملاحظته هو انه لا يوجد أي تأثير لقرار رفع حالة الطوارئ على حياة المواطنين البسطاء الذين لم يعودوا يشعرون بوطأة حالة الطوارئ منذ 1998. في اعتقادي أن القرار لم يأت بأي جديد بالنسبة للمواطنين، لكنه بالمقابل قد يساعد على فتح المجال أمام الأحزاب السياسية لتكثف هذه الأخيرة من نشاطها السياسي، وهنا يفترض أن تساهم هذه المبادرة في فتح المجال أمام الجمعيات والأحزاب السياسية الجديدة التي تنتظر الحصول على الاعتماد لمزاولة نشاطها الميداني وهذا ما سيعمل على تكريس مزيد من التفتح في المجال السياسي. *تصريحات وزير الداخلية الأخيرة تفيد بعدم وجود نية أنية لاعتماد أحزاب جديدة؟ إن الوضع الراهن الذي نعيشه يعتبر جد عاد لأننا وضعنا الإرهاب وراءنا وبالتالي لم يعد هناك أي مبرر مقبول لغلق المجال السياسي واعتماد أحزاب جديدة، بل بالعكس، الساحة الوطنية اليوم هي في أشد الحاجة لأحزاب جديدة بوجوه جديدة وطرح جديد؛ نعلم جميعا أن معظم الأحزاب الحالية ظهرت إلى الوجود على إثر دستور 1989، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم هناك جيل كامل ولد ونشأ وتعلم والتحق بالعمل بعيدا عن هذه الأحزاب. هذا الجيل يبحث اليوم عن أحزاب جديدة ونخب جديدة تختلف تماما عن تلك التي تربت وعاشت في أجواء الحزب الواحد والتي عجزت حتى عن تحقيق حرية التداول على المناصب القيادية داخل هياكلها. ثم أن وجود أحزاب جديدة من شأنه أن يساعد في امتصاص الغضب الشباني وتأطير الطاقات الشبانية حتى يجد كل واحد منهم ضالته في الحزب الذي يراه مناسبا لطموحاته وتطلعاته، خاصة وان هناك من يرى أن التشكيلات السياسية الموجودة حاليا لا ترقى إلى مستوى تطلعات شباب تكنولوجيات الاتصال والإعلام. إن الساحة الجزائرية بحاجة إلى أحزاب جديدة بمفاهيم جديدة وطروحات مغايرة، كما أن شباب اليوم هو جيل بحاجة إلى وجوه جديدة، وهذا ما يؤكد الطرح القائم على ضرورة التفتح السياسي، الذي أصبح ضروريا، حيث يجب أن نذهب نحو فتح مجال السمعي البصري دون تردد وهو القرار الذي سيساهم في تكريس السيادة الوطنية وامن البلاد على حد سواء. إننا نعيش في عصر لا تكاد تعد فيه القنوات والفضائيات، هو عهد عولمة يجعل من هذه الوسائل الإعلامية على غرار ما حدث في تونس ومصر تتدخل في شؤون الدول وتوجه أفكارا معينة وتفرض طروحات جديدة. أنظر ما وقع في مصر، فرغم وجود حوالي عشرين قناة تلفزيونية إلا أن قنوات عربية دولية هي من استقطبت اهتمام المصريين والعرب طوال الأسابيع الماضية وذلك لكون القنوات المصرية كانت فاقدة للمصداقية ولم تتمكن من مسايرة الأحداث. مجال الاتصال أصبح اليوم من المجالات التي تتقاطع مع مجال الأمن الوطني كما يتقاطع مع السيادة الوطنية. من هذا المنطلق، يجب السعي إلى تفتح إعلامي حقيقي ومهني يكون مضبوطا بقوانين ودفتر شروط ويحكمه عقلاء الإعلام في الجزائر وهذا ما سيضمن تكريس الديمقراطية وحماية الأمن والسيادة للوطن. *هل بالفعل تعدت الجزائر مرحلة الخطر الإرهابي في وقت لا تزال فيه المسيرات ممنوعة بالعاصمة؟ بالنسبة للإرهاب، لقد أصبح من الماضي. الجزائر الآن هي في مرحلة ما بعد الإرهاب، وهي مرحلة تتطلب وضع إستراتيجية كاملة لضمان عدم عودته بأي شكل كان. هذه الإستراتيجية لا بد أن تشمل مسألة التحوير الكامل والجدي للبرامج الدراسية لتحويل المدرسة الجزائرية من مدرسة شفوية تخرج أطفالا لا يجيدون التفكير إلى مدرسة تكون نخبة مندفعة بحق نحو الحداثة والعصرنة. نخبة لا تتأثر بالخرافات ولا تستجيب سوى للمنطق والفكر. بالنسبة لمحاربة الإرهاب، اعتقد أن الأمر لم يعد يتطلب الكثير من الجهد وحتى من الوسائل. هناك مجموعات قليلة تتحرك في أماكن معروفة وهي رفضت الاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية، وبالتالي فسيعالج أمرها وتذر وريحها مع الوقت، واعتقد أن وحدات الجيش الوطني الشعبي ومصالح الاستعلامات هي من يمكنها، في هذا الوقت ومع رفع حالة الطوارئ، إنهاء أمر هذه البقايا التعيسة. بالنسبة للمسيرات في العاصمة، فرأيي قد يختلف مع رأي الكثيرين، أنا لا أفهم حقا لماذا كل هذا التخوف من المسيرات في العاصمة. علينا أن ندرك بأن الممنوع هو المرغوب باستمرار، كما أن منع جهة معينة من السير أو من النشاط من شأنه أن يحول تلك الجهة إلى ضحية أو يمنحها شهادة النضال والمقاومة على المستوى الدولي. الأمر يجب أن يطرح بشكل آخر كأن نقول بأن على الحزب الذي يريد أن يسير في العاصمة، أو غيرها من المدن، أن يمضي على تعهد بأن لا تكون هناك تجاوزات وأنه المسؤول وحده على كل ما قد يقع من أخطاء أو اعتداءات على سلامة المواطنين والممتلكات، وفي حالة حدوث مثل هذه الأشياء يحاكم الحزب من طرف القضاء. لو سمح للذين أرادوا السير في العاصمة بذلك لتناقص عدد مناضليهم مع الوقت ولظهروا على حقيقتهم ولم يتحولوا، لدى الرأي العام العالمي، إلى ضحايا لنظام يقولون عنه إنه قمعي. *في تصوركم كيف سيكون الانتقال من حالة الطوارئ إلى المرحلة العادية؟ كما سبق وأن أكدت لكم أن رفع حالة الطوارئ لن يغيّر شيئا في حياة المواطنين لكن ربما يجب التساؤل عن القرارات الواجب اتخاذها بعد هذه المبادرة، وفي هذه النقطة بالذات، لا يفوتني أن أؤكد على أهمية تبني إستراتيجية تغيير جذرية تقوم أساسا على التراجع عن التعديل الدستوري الأخير الذي قام به رئيس الجمهورية وإلغاء فتح العهدات الرئاسية، ويضاف إلى ذلك القيام بتعديل دستوري معمق يحدد ملامح النظام السياسي الجزائري بما يضمن فصل السلطات عن بعضها البعض، إلى جانب التعجيل بتعيين حكومة تكنوقراطية لتسيير هذه المرحلة. في اعتقادي فإن بوتفليقة لديه فرصة تاريخية لإحداث انتقال حقيقي نحو نظام ديمقراطي وتجنيب الجزائر كل مظاهر العنف مثل ما حدث في بعض الدول المجاورة، وعليه يجب التفكير في هذه الآليات الجذرية وعدم الاكتفاء بالامتيازات التي لا تعتبر حلا وإنما هي مسكنات وبالذهاب بذلك نحو دولة القانون التي تحدد المسؤوليات وتحاسب كل من نهبوا المال العام، هي دولة لا يخشى فيها الشعب لأنها مبنية على أسس قانونية ودولة تلعب فيها النخبة المثقفة دورها، كما يجب فتح المجال أمام المعارضة لتنشط بكل حرية لأن النظام القوي هو ذلك الذي توجد فيه معارضة قوية. لا يجب تخوين المعارض أو النظر إليه على أنه عاق أو عدو بل هو مواطن ووطني يرى الأمور بنظرة مغايرة ويترصد السلبيات مثلما يتحدث رجال الحكم عن الإيجابيات، بهذا يكون دور المعارضة شبيها بالأضواء القوية التي تكشف الأخطاء والسلبيات وتمكن من معالجتها وتجنبها. المعارضة تقوم النظام وتقوم أيضا بدور الإسفنجة التي تمتص الغضب الشعبي لأنها تعبر عما يشعر به الناس عندما يكونون غير راضين عن بعض القرارات أو المواقف. *هل الجزائر معنية بما يحدث في الدول المجاورة وإلى أي مدى يمكن للقوى الأجنبية التأثير في سياسات دول المنطقة واستغلال الأوضاع الراهنة لصالحها؟ من الخطأ القول إن الجزائر غير معنية بما يحدث، فنحن نعيش في زمن العولمة والفيس بوك، ما حدث في تونس ومصر كان بفعل تجاوزات كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وعملت وسائل الإعلام والاتصال على تطويرها إلى درجة إسقاط أنظمة سياسية بكاملها، وبالتالي، فمن الأحسن أن نقول إن الجزائر لديها فترة استراحة يجب أن تستغلها من أجل تغيير سلمي وهادئ وإن لم تفعل ذلك فستكون معنية بما يحدث وستطالها تلك الأحداث عاجلا أم آجلا، يجب أخذ كل الاحتياطات والمبادرة بالإصلاحات. الذين يقولون عكس هذا الكلام إنما يعرضون البلد لأخطار كبيرة لأنهم يجعلونها لا تتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الأحداث الخطيرة قبل وقوعها. أما فيما يخص الأيادي الأجنبية وقضية برمجة دول ضمن قائمة التغيير، فمن الغباوة القول بذلك، فالمعروف، في زمن العولمة، أن التأثير لم يعد يقتصر على جهة دون أخرى، كما أنه من المعروف أن كل دولة تحاول أن تقوي نفسها على حساب الدول الأخرى وتستغل ما يحدث وتوظفه لخدمة أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، وأمام هذه المعطيات فإن المسؤولية تقع كاملة على الدول المعنية في أن تلعب دورها كما يجب. في العلاقات الدولية الراهنة، لا يلام الآخر عندما يعمل على إضعافك بل تلام أنت إن لم تعرف كيف تقوي نفسك وتجعل نظامك منسجم وصفوفك متراصة لا تخترق من طرف الأجنبي.