الاسم: عبد الجليل، السن: 15 عاما، المهنة: تلميذ ثانوي في خميس الخشنة، كان القطار الذي يربط بومرداس بالجزائر العاصمة محملا بالأعباء كقصيدة كتبها شاعر متحزب، وكانت إحدى قاطراته تصطك بالضحك موجات.. موحات، إنه عبد الجليل يعطي رأيه في الحكومة والأحزاب والتلفزيون والفنانين والرياضيين وما حدث ويحدث في ليبيا واليمن وسوريا وتونس ومصر بصوت عال وثقة صارخة يجعلانك تضحك على نفسك قبل أن تضحك على المذكورين أعلاه، قال إن الثورة ستنجح في اليمن وفي سوريا، أما القذافي فقد جعل العالم يضحك أربعين عاما عليه وعلى اللبيين، وها هو يجعله اليوم يضحك على نفسه أربعين يوما، وأنا يقول محللنا الكبير أجد صعوبة في توقع ما سيحدث بالضبط في المستقبل الليبي. ما معنى أن يقول أويحي ألا أزمة سياسية في الجزائر؟، هل تتأسس الأحزاب إلا لتقدم رؤيتها لحل الأزمات؟، فليحل حزبه ما دامت البلاد بخير إلى هذه الدرجة.. إن الحكومة عندنا تشبه قفة العجوز البخيلة.. لا تخلو ولا تعمر، ثم التفت إلينا: هل صحيح أن بلخادم سيخلف عمرو موسى على رأس جامعة الدول العربية؟، قلت له: ربما، قال: إذا حدث ذلك فسيجعل الدول العربية كلها تطبق برنامج بوتفليقة فهو لا يعرف إلا أن يقول إنه يطبق برنامجه، لكن في هذه الحالة سيتحسن التعاطي العربي مع فلسطين على الأقل، بالنظر إلى الموقف الجزائري الذي لم يتزعزع يوما، قيل له: وما رأيك في أبي جرة؟، رسم لحية على خديه ثم حلقها، ثم رسمها من جديد وحلقها في سرعة صارخة: وأخيرا أصر الرجل على حق الأحزاب غير المعتمدة في الاعتماد، أين كان قبل اليوم؟، لماذا لم يساند على الأقل جاب الله والإبراهيمي ومحمد السعيد وهم إسلاميون مثله؟، ولويزة؟، قالت إحدى الرّاكبات الجميلات، مسحها بعينيه مسحا شاملا: هل أنت مخطوبة؟. ليس بعد قالت، تعالت صيحات الشباب في القاطرة عارضين أنفسهم عليها أزواجا، أسكتهم عبد الجليل: أما لويزة فمخطوبة، وخطيبها هو النظام، إنها متحدثة شرسة والشعب حين يسمعها يستغني "بنارها" عن إشعال نار الإحتجاجات في الشارع، لكن هناك سياسي آخر أكثر خدمة للنظام منها، اقترح الراكبون أكثر من اسم لكنهم لم يذكروا من أسماه عبد الجليل بسعيد سامدي، الذي قال عنه إن الشعب يكرهه لذلك فقد زهد في مسيرات الاحتجاج التي تزعمها، والأذكى منهم جميعا الرئيس بوتفليقة، ياربي كم ذكي هذا الرجل!، فقد عمد إلى جعل الاحتجاجات قطاعية، قطاع الصحة وحده، قطاع الشؤون الدينية وحده، قطاع التربية وحده، قطاع المحضرين القضائيين وحده، قطاع الجامعات وحده، قطاع الحرس البلدي وحده، لأنها إن توحدت استطاعت أن تظهر في شكل ثورة، ولجوء هذه القطاعات للاعتصام أمام مقر رئاسة الجمهورية جعله يظهر ملجأ لها من الوزراء الفاشلين، قبل ذلك اجتمع برؤوس التحالف الرئاسي عارضا عليهم مشروع التغيير، فأبوا ما أعطى انطباعا للشارع بأنهم سبب التأخرات، فتحول السخط عليهم مدشنا صمتا مثمرا أوحى للناس بأنه مقبل على تغيير كبير. وصل القطار إلى محطة الحراش، نزل عبد الجليل تحت تصفيقات الركاب وهو يقول: نلتقي في الفيسبوك اسمي يكتب هكذا، أرسلوا لي طلبات صداقة، واصل الركاب النقاش بحماسة كبيرة طيلة ما بقي من السكة بل إنه لم يتوقف عند بعضهم حتى بعد نزولهم من القطار، هناك استنتجت أن الشارع الجزائري لم يفقد صلته بالنقاش السياسي زهدا فيه بل بات يفتقد إلى من يثيره داخله، فلا منظومة الإعلام ولا منظومة السياسة ولا منظومة الثقافة أصبحت تفعل ذلك، إن أحزابنا السياسية لفقرها باتت مثار نقاش حول جدوى وجودها هي نفسها، نتيجة غيابها في حياة الناس الذين لاحظوا عودتها إلى النشاط مؤخرا مستغلة تعليمة فوقية هبطت على التلفزيون بفتح المجال لها، هل النشاط الحقيقي عند الحزب الحقيقي هو أن ينزل رئيسه إلى القاعات ليكتفي بسب الحكومة وبعض هؤلاء عضو فيها بل إن حزبه يتولى حقائب قطاعات هي مثار الاحتجاجات. إن هناك ذكاءا صارخا في الشارع الجزائري، والطفل عبد الجليل دليل على ذلك، في مقابل غباء صارخ لدى نسبة كبيرة من الفاعلين في المنظومات كلها، لذلك تمنيت لو اتسعت القاطرة التي كان يخطب فيها الفتى لتشمل الشعب كله، علَ الأغبياء منه يسترون عوراتهم قبل أن ينادي المنادي. تفاحة الخروج: تسلق قامته حافيا، وحين بلغ مخَه داس على خلايا الحنين/ تموقع بين القطرة والقطرة، وأعلن عرس الخرير/ كم يدا يحتاج الجوع ليشبع، كم قلما ليراسل السنبلة؟.