كشف الشيخ هاشمي سحنوني والداعية السلفي عبد الفتاح زيراوي في بيان لهما، استنادا إلى مصادر من رئاسة الجمهورية، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيوقع مرسوما يقضي بالإفراج على نحو سبعة آلاف سجين من المحكوم عليهم في قضايا متصلة بالإرهاب، ويرتقب أن يسهم هذا القرار في تفعيل خيار المصالحة الوطنية، كما يندرج في إطار مساعي تهدئة الجبهة الاجتماعية وتحضير الظروف المناسبة لتجسيد الإصلاحات السياسية والدستورية التي وعد بها الرئيس بوتفليقة. أعلن الشيخ هاشمي سحنوني، أحد ابرز مؤسسي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، والشيخ عبد الفتاح زيراوي الداعية السلفي المعروف، في بيان لهما تناقلته وكالة الأنباء البريطانية »رويتر« أمس، عن قرار يقضي بإطلاق سراح حوالي سبعة ألاف سجين محكوم عليهم في قضايا ذات صلة بالإرهاب، وأفاد نفس البيان، استنادا إلى مصادر من رئاسة الجمهورية لم يكشفا طبيعتها، أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سوف يوقع مرسوما رئاسيا خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة لإطلاق سراح السجناء الإسلاميين. ويتوقع أن يساهم هذا القرار في تفعيل المسار السلمي الذي كان بحاجة إلى دعم جديد بعد مرور حوالي خمس سنوات عن تنفيذ نصوص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، فإطلاق سراح سبعة آلاف أو أكثر من المحبوسين في قضايا الإرهاب، ليس بالأمر الهين في تقدير جل المراقبين الذين توقعوا خلال الفترة الأخيرة أن يلجأ الرئيس بوتفليقة إلى المادة 46 من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية التي تخول له حرية اتخاذ ما يراه من إجراءات لتفعيل مسار المصالحة الوطنية متى رأى ضرورة ذلك، علما أن رئيس الجمهورية كان قد أمر الوزير الأول أحمد أويحيى منذ حوالي سنة بتفعيل عمل اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وجرى بالتوازي مع ذلك الحديث بإسهاب عن معالجة النقائص التي أغفلتها نصوص المصالحة الوطنية وتوسيع الإجراءات لتشمل باقي الفئات والشرائح. بيان الشيخ سحنوني والشيخ زيراوي الذي اعتبر القرار بأنه شجاع، لم يقدم تفاصيل المرسوم الذي يرتقب أن يوقعه بوتفليقة، وهو ما يترك الأبواب مفتوحة أمام الكثير من التساؤلات ومن التحاليل والقراءات التي تبحث في طبيعة التدابير المرتقبة، ففيما يعتقد البعض أن الأمر قد لا ينحصر في مسألة إطلاق سبيل الآلاف من السجناء المعتقلين في قضايا الإرهاب، وأنها قد ترتبط ربما بإجراءات عفو شبيهة بقانون الوئام أو قانون المصالحة الوطنية، توجه إلى جميع المسلحين أيضا بغية إغرائهم على التخلي عن النشاط المسلح وتسليم أنفسهم للسلطات كما حصل في السابق، يرى البعض الآخر أن العملية قد تذهب أبعد مما يتصوره البعض بحيث قد يتعلق الأمر بعفو شامل طالما تبناه الرئيس بوتفليقة ودافع عنه الكثير من الفاعلين في الحقلين السياسي والاجتماعي بما في ذلك رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان مصطفى فاروق قسنطيني الذي أكد ردا على سؤال ل »رويتر« حول البيان الأخير قائلا »لو صح فسيكون نبأ عظيما يرحب به شخصيا لأنه يسهم في وضع حد لما وصفه بمأساة الجزائر«. وحتى إن فضل بوتفليقة عدم الذهاب في هذا الظرف بالذات إلى العفو الشامل لطي ملف الإرهاب بشكل دائم ونهائي، فإن أي قرار عفو قد يشمل المساجين المحكوم عليهم أو موقوفين في قضايا ذات صلة بالإرهاب يعني فيما يعنيه إلغاء كل المتابعات القضائية التي تتعلق بقيادات إرهابية بارزين سلموا أنفسهم بعد انقضاء الآجال التي حددها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وتوفير الحل القانوني لبعض الأسماء التي يثير وضعها الكثير من علامات الاستفهام، سواء تعلق الأمر بأشخاص غير محبوسين مثل الأمير الوطني السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال، حسان حطاب، أو بالنسبة إلى الأمير الجهوي في نفس التنظيم عمار صايفي المكنى بعبد الرزاق البارة الذي تسلمته الجزائر من فصيل تشادي معارض، علما أن الرجل مطلوب دوليا في قضية اختطاف السياح الألمان في صائفة 2003، وهو مسجون حاليا. وسبق لمصادر إعلامية أن كشفت تفاصيل تتعلق بالتحضير لمشروع سياسي جديد يندرج ضمن إطار المسار السلمي الذي شرع فيه من قانون الرحمة في سنة 1995، واستنادا إلى هذه المصادر يتم إخضاع الأشخاص المتورطين في قضايا الإرهاب لتعهد كتابي بعدم العودة إلى النشاط الإرهابي بعد الاستفادة من العفو، وقد استعانت السلطات بمجموعة من الأئمة المعروفين والذين لهم مصداقية وسط الإسلاميين المتشددين في تنفيذ هذا المشروع الذي تم الشروع فيه منذ مارس الماضي على الأقل. ويرتقب أن يساهم تفعيل المسار السلمي في محاصرة ظاهرة الإرهاب وفي حصول نزيف داخل المجموعات الإرهابية، وهذه قناعة من السلطة وحتى من المعارضة بأن المسار السلمي ساهم في معالجة معضلة الإرهاب أكثر من المواجهة الميدانية، فإذا كان قانون الوئام قد سمح بتوبة أكثر من ستة آلاف مسلح، فإن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية سمح بين 2005 و2010 بتسليم 7450 إرهابي أنفسهم للسلطات الأمنية، إلى جانب المعالجة الاجتماعية التي تضمنتها نصوص الميثاق كما معروف، إذن هذه الجرعة كانت مطلوبة خاصة في هذه الأوقات التي تسيطر عليها محاولات للتصعيد الإرهابي الذي يرافق كما هو معروف سيناريوهات لعنف اجتماعي يجري تنفيذها في أكثر من بلد باسم ما يسمى ب »ثورة الشارع« الطامح إلى الحرية والمزيد من الديمقراطية. وبغض النظر عن طبيعة الإجراءات التي سيعتمدها الرئيس بوتفليقة لتفعيل المسار السلمي، فإن الإعلان عن هذه الإجراءات في هذا الظرف بالذات له ما يبرره، فحزمة الإصلاحات السياسية والدستورية التي أعلنها رئيس الجمهورية في خطابه الأخير للأمة، بحاجة إلى قرارات تهدئة تمهيدية توفر الأجواء المناسبة لتحقيق الإصلاح المنشود، وتضمن الانتقال الديمقراطي الحقيقي في أجواء من السلم والأمن.