شكل تصريح السفير الأمريكي الجديد بالجزائر هنري س أنشر، والذي أشاد فيه بالدور المحوري للجزائر إفريقيا وعربيا، خطوة أخرى في مسار العلاقات الأمريكية- الجزائرية التي توصف من قبل قادة البلدين بالجيدة لاسيما منذ مطلع الألفية الثالثة وبالتحديد منذ الانفجارات التي هزت أمريكا عام 2001. يكتسي تصريح السفير الأمريكي الجديد بالجزائر عقب استقباله من قبل رئيس الجمهورية، نهاية الأسبوع، لتقديم أوراق اعتماده، أهمية سياسية بالنظر إلى الظرف الإقليمي الذي يميز العديد من البلدان العربية جراء حركات احتجاجية سرعان ما تحولت إلى ثورات مثلما الحال في تونس ومصر وأخرى انفلتت بها الأوضاع إلى عنف مسلح دام كما الوضع في سوريا واليمن وليبيا، وقد نتج عن هذا الوضع الجديد سقوط المعادلة الدبلوماسية التقليدية وبروز قوى بإمكانها لعب أدوار إقليمية ودولية وقارية، خاصة وأن هذه القوى تملك إمكانيات سياسية وبشرية ومالية فضلا عن تمتعها بالاستقرار وهو عامل مهم، ومن هنا فإن حديث السفير الأمريكي الجديد هنري س انشر، عن دور طلائعي للجزائر في إفريقيا والعالم العربي، إنما يأتي في سياق التحولات التي تشهدها المنطقة من جهة ورغبة أمريكا والقوى العظمى في إيجاد بديل للقوى الإقليمية التقليدية التي انهارت بسبب ابتعادها عن الخيارات الديمقراطية وسقوطها في فخ القمع الذي عجل بانهيارها. ويعتبر السفير الأمريكي الذي سلم أوراق اعتماده نهاية الأسبوع، من بين الإطارات الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يتمتعون باطلاع واسع على الأوضاع العربية، فقد سبق له أن شغل في كل من العراق، أفغانستان، سوريا وتونس. ومعلوم أن العلاقات الجزائريةالأمريكية تشهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ هجمات الحادي عشر سبتمبر من عام 2001، حيث لجأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت وقع الصدمة إلى طلب الخبرة الجزائرية في المجال الاستخباراتي في شقه المتعلق بمكافحة الجماعات الإرهابية المسلحة وخريطة انتشارها والقوى المؤثرة فيها ومنابع تسلحها وكيفية إدارة أعمالها الإجرامية، وبالفعل خطت العلاقات الثنائية خطوات عملاقة بعدما شكل الطلب الأمريكي اعترافا صريحا بالأطروحات الجزائرية في مكافحة الإرهاب. وقد توالت بعدها زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين للجزائر وتم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في المجال الأمني والعسكري، ولكن أيضا في المجالين التجاري والاقتصادي. وتنظر الولاياتالمتحدةالأمريكية بارتياح للمجهودات الجزائرية في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي خاصة بعد إقدامها على تجنيد وتأطير بلدان الجوار، تشاد، مالي، النيجر، موريتانيا، تحت مظلة مركز قيادة العمليات العسكرية المشتركة بتمنراست مهمتها تنسيق مواقف الدول المعنية في حربها على القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ناهيك عن توقيعها لاتفاقيات قضائية في نفس السياق ومحاربة الاختطاف ورفضها دفع الفدية. ويعتقد الخبراء أن الجزائر مطالبة اليوم بلعب دور قاري ليس في مجال مكافحة الإرهاب وإنما أيضا دور دبلوماسي عربيا وقاريا وحتى دوليا. وهو ما ترمي إليه التصريحات الأمريكية الأخيرة.