لن يستطيع متطاول أو مزايد، اجترار المقولة الجاهزة، تمخض الجبل فولد فأرا، فمشروع قانون الانتخابات، كما أعلنت عنه الحكومة جاء ملبيا للكثير من متطلبات ومواصفات الانتخابات المحترمة التي تستجيب للمعايير الدولية، وهومن الوجهة القانونية التأصيلية، قد وضع القواعد والأساسات المتينة لبناء دولة تنبثق بالفعل عن الإرادة الشعبية، إذا ما احترم الساسة والأحزاب والفاعلون على الساحة، روح ونص المشروع الذي سيطرح قريبا على السلطات التشريعية لمناقشته وتنقيحه والمصادقة عليه• ولوأن فئات واسعة وعريضة من النخب والمراقبين، كانت تشك في قدرة السلطة القائمة على الإصلاح وتحملها لأعبائه الثقيلة، فإن المشروع المعروض على مجلس الوزراء الأخير يفند تلك المخاوف والتوجسات، ويبشر بأن النظام في الجزائر ليس فقط قابلا للإصلاح، وإنما يمكن أن يبادر به هو، ليقينه بضرورته• ولقناعة لدى رأس السلطة، بأن أسلوب الحكم المتداول وبالشكل الذي هوعليه، انتهت صلاحيته، ولم يعد صالحا أبدا لتلبية متطلبات الأجيال الجديدة• وإذا كانت المبادرة بالإصلاحات السياسية قد تأخرت كل هذا الوقت، وأخذت كل هذه المسافة الزمنية من فترة حكم الرئيس بوتفليقة، فما ذلك إلا لأن تحديات جمة وعوائق عديدة، حالت دون إدراج هذه الضرورة الحتمية، على رأس الأجندة، ليس أقلها العمل على استتباب الأمن والاستقرار، من خلال قانون الوئام والمصالحة، وأخذ وقت مستقطع للتكفل بالحاجيات الملحة التي لا تقبل التأجيل، والمرحلة من مرحلة المأساة الوطنية من تشغيل وإسكان وصحة وتعليم وعودة الدولة إلى تحمل مسؤولياتها الاجتماعية تجاه كافة مواطنيها• قانون الانتخابات في كل بلدان العالم الديمقراطية، هوالباب الذي تدخل منه الديمقراطية، وهوقد يكون ضيقا أوواسعا، وبحسب هذه الحالة، توصف الديمقراطيات الحديثة، وما يمكن إطلاقه من الأوصاف على مشروع القانون الجديد في بلادنا، هوأنه جاء مكتملا ومناسبا لمستوى التطور السياسي الذي بلغته الجزائر، ولم يعد باقيا على الفاعلين في الساحة السياسية، إلا تحويله إلى واقع سياسي ديمقراطي، حي، معاش••• بالفعل كما لا يكفي بناء ملعب لكرة القدم مكتمل التجهيزات يتوفر على أعلى المقاييس العالمية لإجراء مقابلة رياضية عالية المستوى، إذا لم يكن لديك لاعبون من درجة معينة، يجيدون اللعب ويحترمون كل قواعد اللعبة••• فكذلك قانون الانتخاب وحده غير كاف لإجراء منافسة سياسية سليمة، إذا لم تكن الأحزاب التي تدخل السباق تحت مظلته، أحزاب ديمقراطية••• تؤمن بالصندوق وتحترم نتائجه مهما كانت، وتسلم بأن لا وصاية لأحد على الشعب••• كما لم ينجح الإقطاعيون في الثورة الزراعية، والبورجوازيون في إنجاح الاشتراكية، والبزناسة الإنتهازيون في إقامة السوق الحرة، كذلك لن تدفع أحزاب "15 واربط" في اتجاه تعزيز الديمقراطية وترك الشعب يختار ممثليه بكل حرية، تماما كما فعلت بمناضليها، الذين صادرت منهم الحق، في استبدال الزعيم على مدى عقود••• وقد فتح قانون الانتخابات الشهية للديمقراطية، فإن المتطلعين إلى حياة سياسية متطورة وأكثر شفافية، يأملون أن تقدر هذه الخطوة حق قدرها، وأن تحظى بما تستحقه من دراسة وحوار وتقييم بناء، لأنها اللبنة الأولى في صرح البناء العصري الحديث الذي يصبوإليه الجزائريون والجزائريات•