إن بلبلا بمفرده لا يصنع الربيع..وكذلك القانون..حتى لو كان جيدا، فهل نحن بحاجة إلى قانون لتطبيق القانون؟ نعم. لقد كشفت الحكومة عن مضمون الإصلاحات .. والكرة الآن في مرمى البرلمان لمناقشتها وإثرائها، ولحد الآن ليس هناك موقف واحد من أي حزب كان، أعلن عن معارضته لمضمون القوانين المختلفة، فكل التصريحات تشيد بمضمون مشاريع القوانين سواء تعلقت بالإعلام أو الأحزاب أو الانتخابات أو الجمعيات، ولكن معظم الأحزاب خارج التحالف الرئاسي أبدت تخوفها من »كيفية تطبيق هذه القوانين الجيدة مستقبلا«. وفعلا إن بيت القصيد كله، يتمثل في تطبيق القوانين، التي عادة ما يكون تطبيقها خاطئ أو يعتمد على الكيل بمكيالين، حيث يتم تطبيقها على أساس الأفضلية، والمحاباة، وأحيانا يتم تعطيل العمل بالقانون كلية بدون مرجع قانوني وخارج أحكام الدستور. وقد حدث هذا في الجزائر خلال السنوات التي تلت صدور قوانين ما بعد أكتوبر 1988، فقانون الإعلام لعام 1990 تشكل حوله الإجماع بأنه قانون »رائع« من حيث فتح المجال أمام الحريات، ومن حيث التنظيم، وحتى فتح القطاع السمعي البصري، وعندما بدأت المشاورات السياسية مع هيئة بن صالح طالب كثير من المهنيين وحتى التنظيمات المهنية بعدم المساس بالمكاسب العديدة التي يتضمنها، لكن خلال الممارسة كل المهنيين كانوا يشتكون، خاصة فيما يتعلق مثلا بمنح »التراخيص« ففي الوقت الذي ينص القانون على »أمور بسيطة« لإصدار نشرية، فإن التطبيق يشترط الحصول على رخصة من وزارة الداخلية أو العدل أو غيرها .. وبذلك حصل كثيرون على رخص وحرم منها »ظلما« كثيرون، بل إن هذا الموضوع، حوّل »الرخص« إلى مجال للبزنسة، حيث أصبحت الرخصة تباع وتشترى على الرصيف مثل البرامج النووية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي. كذلك عندما تعلق الأمر بتوقيف الصحف، حيث حدث أن موظفا بسيطا جدا في وزارة الاتصال أوقف صدور صحف، ولم يجد الشاكون أي باب يطرقونه للمطالبة بحقوقهم أو برفع تظلماتهم، فخلال التطبيق عادة ما تتغلب الإدارة على القانون، حتى »العدالة« عادة ما تجتهد في سياق إرادة الإدارة. إن سلطة الضبط مثلا التي سوف تنشأ لمنح التراخيص ومراقبة أداء المؤسسات الإعلامية، لا يمكن للقانون الجديد أن يعطيك ضمانات على أنها ستكون شفافة وديمقراطية، بل يمكن لها أن تشتغل على »عقلية« وزارة الداخلية، وتمنح التراخيص لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء، وعادة ما يتحصل المحظوظون والنافذون وأصحاب المال دون سواهم على التراخيص. نفس الشيء يمكن قوله عن مسألة إلغاء عقوبة السجن والمنع من الكتابة عن الصحافيين، لكن تعويضها بغرامات مالية على المؤسسة الإعلامية قد يحد من حرية التعبير مستقبلا، فإذا كانت المؤسسة الإعلامية التي لديها 40 صحفيا في الإدارة المركزية، ونحو 30 مراسلا من مختلف الولايات، من الممكن أن تفرض عليها كل سنة غرامة مالية بقيمة 50 مليون سنتيم عن كل صحفي أو مراسل إذا طبق القانون بتعسف .. ونفس الشيء يمكن إسقاطه عن قانون الأحزاب، ذلك أن القانون السابق قانون جيد، لكن المشكلة أن الإدارة انفردت بملكية البلد، أصبحت الجزائر ملكا للإدارة، تمنح رخصة إنشاء حزب لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء، بدون مراعاة للقانون أو للدستور، وعادة ما يتصرف وزير الداخلية بمنطق »أنا الدولة والدولة أنا روحان سكننا بدنا«. ما أدى إلى ميلاد قضية " الوصل »فالوزارة لا تمنح وصلا لمن يودع ملف تأسيس الحزب، وفي حال كهذه لا يستطيع أصحاب الملف أن يشتكون لأي كان، بما في ذلك مجلس الدولة الذي ينص عليه القانون الجديد. إذن هل يجب إيجاد قانون لتطبيق القانون؟«. نعم .. ربما نحن بحاجة لنص قانون يلزم الموظفين والإدارة على التعامل بطريقة ديمقراطية وشفافة، ولابد لمناقشات النواب إذا أرادوا فعلا إصلاحات سياسية شاملة وعميقة بدل إصلاحات تقنية تعزز سلطة الإدارة بطريقة أخرى وبطرق ملتوية أن يركزوا على هذه الجوانب، كيف نلزم الإدارة بتطبيق القانون. والإسقاط نفسه يمكن تعميمه على قانون الانتخابات، ففي الوقت الذي استجابت فيه الحكومة لمطالب السياسيين بإشراك القضاء في العملية الانتخابية، فإن تطبيق القانون يبقى صعبا للغاية، في ظ عدم استقلالية القضاء، وهيمنة الإدارة على القضاء، وهذا ما أشارت إليه نقابة القضاة خلال عملية المشاورات مع هيئة بن صالح. وبذلك فإن القوانين الجيدة وحدها لا تكفي لصناعة الربيع، بل لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية، هذه الإرادة السياسية التي قالت عنها بعض الأحزاب بأنها غائبة تماما. وعندما نبحث في أسباب غياب الإرادة السياسية إذا سلمنا بصدقية أصحاب هذا الطرح، فإن مرجعها الأول يكمن في أن مشاريع الإصلاحات كان ورائها أساسا شخصيات من الصعب القول أنها تؤمن بالحرية والديمقراطية، فعلى سبيل المثال يعتبر أحمد أويحيى الرجل الذي وقف وراء عقوبات الصحافة في قانون العقوبات عام 2011، فمن الصعب التصديق أن الإصلاح يمكن أن يأتي منه. وكثير من المسؤولين من غيره، كانوا سببا في كثير من المشاكل التي تعيشها الساحة السياسية والإعلامية اليوم، أي أنهم كانوا طرفا في الموضوع، أي أوجدوا المشكلة، وبالتالي فإنهم يعملون على حلها بطريقة تخدمهم أو لا تتضارب مع أفكارهم، في وقت لا تحتمل فيه البلد التأخير أو الترقيع.