ما كانت تخشاه الجزائر وتحذر من احتمال استغلال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا للحصول على السلاح، قد بات يلوح في الأفق ويتأكد شيئا فشيئا على أرض الواقع، بعد التقارير الغربية المعبرة عن قلقها من وصول السلاح إلى هذا التنظيم الإرهابي. نقلت عدة تقارير إعلامية استنادا الى تقارير استخباراتية ان شحنات من السلاح يمر بالفعل عبر بعض دول الساحل الإفريقي وتباع لصالح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في سياق الحرب الدائرة بين النظام الليبي ومعارضيه التي أججت تجارة السلاح في السوق السوداء المعروفة أصلا بنشاطها المكثف، وما يمكن ان تزيده من استغلال للوضع اكثر مما هو عليه حاليا، في ظل استمرار الحرب المفتوحة بين طرفي الصراع في ليبيا وفي ظل المطالبات المستمرة لقوى المعارضة بالتزود بأعتى انواع التسلح لمواجة كتائب القذافي والتقدم نحو مركز العقيد القذافي والإطاحة به. وبعد ان كانت مسألة تسليح قوات المعارضة الليبية قاب قوسين أو أدنى من حدوثها، تراجع العديد من الدول الغربية بما في ذلك الولاياتالمتحدةالامريكية عن قرار إمداد المتمردين بالسلاح، خشية أن تتحول كميات معتبرة منه الى تنظيم القاعدة غير البعيد عن بؤرة التوتر في الشمال الإفريقي. ولعل البيان الأخير الذي يكون قد صدر عن الإدارة الأمريكية ونقلته وكالة رويتز، يسير في نفس الإتجاه بعد ان عبرت واشنطن للمجلس الوطني الإنتقالي الليبي عن قلقها من وصول السلاح الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. تردد الدول الغربية في إمداد المعارضة في ليبيا بالسلاح لإحداث نوع من التوازن العسكري بين طرفي الصراع سبقه تراجع في عمليات القصف الجوية التي كانت تستهدف مواقع عسكرية نظامية وكتائب القذافي، خاصة بعد القصف الأخير الذي حدث بنيران صديقة يوم الجمعة الماضي وخلف سقوط مجموعة من المتمردين والمدنيين، قيل ان البعض من الضحايا هم أعضاء في صفوف القاعدة إندسوا وسط المتمردين لمقاتلة الكتائب النظامية. وكانت الجزائر قد عبرت عن تخوفها من أن تتحول منطقة الشمال الإفريقي الى بؤرة للتوتر يكون أحد صانعيها تنظيم القاعدة مستغلا في ذلك الفوضى الأمنية، وتحول المنطقة الى مرتع للأسلحة والتسلح وهو ما دفعها، أي الجزائر إلى إبداء الكثير من التحفظ حول قرار توجيه ضربات عسكرية ضد ليبيا، فسرته المعارضة على أنه تأييد لنظام القذافي الذي تتهمه باستعمال كل الطرق لقمع المحتجين وإبادة المعارضين العزل. نفس المعارضة الليبية التي سبق لها وان اتهمت الجزائر بوقوفها مع القذافي ضد المعارضة، هي ذاتها التي تتهم اليوم الجزائر بوقوفها وراء التقارير الأمنية حول عمليات تداول السلاح في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما عبرت عنه بعض المعارضة الليبية المتواجدة في الخارج والتي تتحدث بكثير من السطحية عما يجري في المنطقة خاصة وان التقارير الأمنية حول ذات المسألة صدرت عن استخبارات غربية ولا سيما الأمريكية منها وبنيت على أساس معاينات ميدانية في الاراضي الليبية قام بها رجال استخبارات متخصصين. يبدو ان الغرب يوجد حاليا في مأزق حقيقي، بعد ان عبرت العديد من الدول الغربية ان نظام القذافي قد انتهى، ولم تعد له اية شرعية، لانه رفع السلاح ضد شعبه وقتل وسجن وعذب وقمع أيضا مثلما تتهمه، مما ترتب عن ذلك اتخاذ قرار أممي سريع لضرب ليبيا عسكريا، تحت مبرر حماية المدنيين، دون ان يتحقق الى اليوم هدف الإطاحة به، لاختلال التوازن العسكري ميدانيا بين القوات النظامية والمعارضة، ومن ثم المطالبة بتقليص هذا الاختلال عن طريق دعم المتمردين بالسلاح، كما لمحت الى ذلك بعض الدول الأوروبية وحتى أمريكا في وقت سابق، غير ان دعم المتمردين بالسلاح بات اليوم يطرح مسألة تداعيات هذه العملية على الأمن في منطقة الساحل الإفريقي وتسرب شحنات منه الى القاعدة، وهو أمر وارد جدا إن لم يكن قد حدث فعلا مثلما اشارت إليه تقارير استخباراتية أخرى، وهذا ما يجعل الغرب في حيرة وحرج بين مطرقة الإطاحة بنظام القذافي وسندان وصول السلاح الى الإرهابيين.