بترخيصها لعشرة أحزاب أودعت ملفات طلب الاعتماد من أجل عقد مؤتمراتها التأسيسية تكون مصالح وزارة الداخلية قد وفّت بأولى التزاماتها التي قطعتها تجاه هذه التشكيلات بهدف تسهيل العملية وفق رزنامة الإصلاحات التي حدّدها خطبا رئيس الجمهورية في 15 أفريل 2011. الآن بقي على هذه الأحزاب قيد التأسيس إثبات جدارتها بتقديم برامج قد تشفع لها الحصول على الاعتماد. بقدر ما تُمثّل الخطوة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية أمس بمنح عشر أحزاب الترخيص لعقد مؤتمراتها التأسيسية، رسالة تطمين وضمانة إضافية على حسن نية السلطة في الذهاب بالإصلاحات إلى أبعد مداها، فإنها تُشكّل في الوقت نفسه تحدّيا كبيرا أمام التشكيلات الجديدة من أجل كسب الرهان وإثبات وجودها خاصة وأن أمامها الوقت الكافي لتقديم برامج بديلة من شأنها إقناع ملايين العازفين عن الانتخابات بالعودة من جديد إلي صناديق الاقتراع في قادم الاستحقاقات. والواقع أن الترخيص بعقد المؤتمر التأسيسي ليس نهاية المطاف بالنسبة لهذه الأحزاب في طريقها نحو الحصول على الاعتماد، بل على العكس من ذلك فهذا إجراء أوّلي واختبار حقيقي يضع أمامها مسؤوليات كبيرة قصد الكشف عن أوراقها المتعلقة بالنظام الداخلي والقانون الأساسي والهيئات التي تقوم على إدارة شؤون الحزب عموما. وعلى ضوء ذلك سيتقرّر مصيرها في الساحة السياسية، وإن حصل وأن حازت على الضوء الأخضر من وزارة الداخلية فإن الاعتماد يعني التوجّه قبالة الناخبين وعرض البدائل حتى لا تتكرّر تجربة الأحزاب التي عرفتها البلاد في أعقاب الانفتاح السياسي بداية العشرية الأخيرة من القرن الماضي. التزام الوزير دحو ولد قابلية كان واضحا بهذا الخصوص وهو الذي صرّح في العاشر من هذا الشهر أنه لا وجود لأية عراقيل أمام التشكيلات الحزبية الجديدة إذا ما توفّرت فيها الشروط المطلوبة المحدّدة في القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، وذهب أبعد من ذلك عندما أكد أنه إذا اقتضى الأمر اعتماد 50 حزبا فسيكون ذلك، وفي هذا الكلام ما يبرّره الآن بعد أن حصلت أحزاب قيد التأسيس على رخصة عقد المؤتمر في انتظار الخطوة الثانية المتعلقة بالاعتماد النهائي. وبالعودة إلى ما جاء على لسان وزير الداخلية بالإمكان التركيز على عبارة في غاية الأهمية ورد فيها قوله: »ليس هناك حدود، ونحن لم نقل إننا سنعتمد 12 حزبا فقط.. فالمشكل يكمن في نوعية الملفات وجدّية إنشاء الحزب«، وحتى يطمئن الجميع حرص على التذكير بأن »هناك قانون وسوف لن يكون أي تمييز في الاعتماد بين حزب أو آخر.. هذا ليس دورنا«، والخلاصة التي تبرز بوضوح أن الكرة أصبحت الآن في مرمى الأحزاب الجديدة لاستكمال باقي الخطوات وفق ما ينصّ عليه القانون. واللافت في هذه المستجدّات أن الأمر لا يرتبط فقط بإعادة بعث عملية اعتماد الأحزاب في الساحة السياسية الوطنية بعد حوالي 13 عاما من تجميدها على خلفية الظروف التي مرّت بها البلاد بسبب إقرار حالة الطوارئ، ولو أن هذا المبرّر لم يكن مقنعا بالمطلق، ولكن الأمر ذو صلة كذلك بالرهانات الأساسية التي تحملها الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستكون، بهذا المفهوم، مفتوحة على كلّ الجبهات من أجل تحقيق غاية واحدة هي المشاركة القوّية، إلى جانب الرهان الأكبر المتمثّل في ضمان شفافية الاقتراع ونزاهة العملية الانتخابية عموما تنفيذا للوعود التي أطلقها أكثر من مسؤول. قد يكون الانفتاح الحاصل في الجزائر واقعا مفروضا نتيجة الحراك الذي عرفتها بعض الأقطار العربية، لكن الثابت أن السلطة وفّت حتى الآن بوعودها تجاه مختلف الفاعلين في الساحة السياسية. ومن منطلق المثل القائل: »ربّ ضارة نافعة« بقي الآن على هؤلاء أن يثبتوا جدارتهم بأن يكونوا البديل الذي يبحث عنه الجزائريون الذين تعوّدوا على مقاطعة مختلف المواعيد الانتخابية، وبين مفارقة السلطة والمعارضة والناقمين عليهما فإنه من شأن تشريعيات ماي 2012 أن تفي بوعودها على كافة المستويات في انتظار ما سيقرّره الناخبون.