قراءة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لفتح الساحة أمام أحزاب سياسية جديدة غريبة بعض الشيء، فهي تقوم على اعتبار منح الاعتماد لثمانية أحزاب سعيا من السلطة إلى زعزعة الساحة السياسية وتلويثها بإنشاء أحزاب متطفلة، ولم يقل لنا الأرسيدي المعايير التي اعتمدها في الحكم على أحزاب بأنها متطفلة وملوثة للساحة السياسية. القاعدة الوحيدة التي يمكن من خلالها الحكم على قوة حزب هي الأصوات التي يمكنه أن يحصل عليها في الانتخابات، والأحزاب التي تم اعتمادها لم تتعرض لهذا الاختبار بعد، غير أن من بينها من يقوده ساسة خاضوا معارك انتخابية وحققوا فيها نتائج أفضل من تلك النتائج التي حققها الأرسيدي خلال أكثر من عقدين من تواجده على الساحة السياسية. لم يحدث أن طالب الأرسيدي في السابق بتحرير الساحة السياسية، ومن غير المعقول أن يعتبر حزب يسمي نفسه ديمقراطيا فتح الساحة أمام مزيد من الفاعلين زعزعة لاستقرار الساحة وتلويثا لها، والأغرب من هذا كله أن يدافع حزب ديمقراطي عن وضع ساحة سياسية يصفه بالحرج، فالذي دأب عليه المناضلون من أجل الديمقراطية والحرية خلال السنوات الماضية هو استنكار رفض اعتماد الأحزاب دون مبرر قانوني. التلوث السياسي بدأ عندما تم استبدال الانتخابات بالصفقات السياسية التي تعقد في غفلة من الشعب، والأرسيدي له باع طويل في عقد الصفقات، وممارسة السياسة خلف الستار، وهذا ما يفسر لنا غضبه من منح الاعتماد لأحزاب جديدة، فهو لا يريد أن يتغير اللاعبون حتى يستطيع أن يفاوض اليوم أو غدا، ومن الواضح أنه لا يطيق أن يصبح لعمارة بن يونس، وهو من قادة الأرسيدي السابقين، حزبا سياسيا ينافسه على أصوات منطقة القبائل التي بدأ نفوذه فيها يتآكل منذ زمن. لقد احتكم سعيد سعدي إلى الشارع بدون انتخابات عندما اختار الدعوة إلى التظاهر قبل سنة، وقد كان انصراف الشارع عنه حكما سياسيا قاسيا نزع منه أهلية تقييم عمل الآخرين، وإذا أراد أن يعرف من يلوث الساحة السياسية فعليه بميزان الانتخابات إن كانت له الشجاعة لخوضها.