عادت قضية المال لتحتل صدارة الخطاب السياسي للعديد من قادة الأحزاب والمترشحين، حيث بينت الحملة الانتخابية مدى التفاوت في إنفاق المال على الدعاية الانتخابية وتجاوز السقف المحدد في قانون الانتخابات، لكن في ظل غياب أدلة مادية تثبت تصريحات كل طرف. فهل الأمر مجرد تشويش انتخابي أم أن توظيف المال حقيقة؟ وماهي الأطراف المتهمة باستغلال المال لاستمالة الناخبين والتأثير على قراراتهم؟ سارعت العديد من الأحزاب السياسية والمترشحين الأحرار مع اقتراب انتهاء الآجال القانونية للحملة الانتخابية إلى التنديد بما تصفه الاستعمال المفرط للمال في الدعاية الانتخابية وتجاوز السقف المنصوص عليه في قانون الانتخابات والمحدد ب 100 مليون سنتيم للمرشح الواحد. ففي هذا الإطار انتقد رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة احتكام مرشح في العاصمة دون أن يسميه بالاسم وان كانت كل الدلائل تشير الى وزير الأشغال العمومية المترشح على رأس قائمة التكتل الأخضر، الى عامل المال وتوظيفه بطريقة مفرطة في محاولة للتأثير على الناخبين واستمالتهم، حيث يخوض عمار غول حملة انتخابية شرسة سخر لها كل وسائل الدعاية من آلاف الملصقات والمطويات الى جانب الإشهار في وسائل الإعلام المكتوبة والالكترونية، فضلا على موائد العشاء، وغيرها من الوسائل التي تتطلب مالا كثيرا لم يتوفر لبعض المترشحين، وقد طالب مناصرة من البرلمان القادم ضرورة فتح تحقيق في استغلال المال في الحملة الانتخابية، مما يؤشر على أن معركة المال قد تستمر الى مابعد الانتخابات، وحسب ما أورده مناصرة في آخر ندوة صحفية له فان المرشح محل الاتهام انفق ما يزيد على 10 ملايير سنتيم في الأسبوعين الأولين من الحملة. يحدث هذا في الوقت الذي تتحدث فيه أوساط سياسية على أن العديد من الأحزاب شرعت منذ مدة في استقطاب الناخبين في بعض الولايات من خلال توزيع مبالغ مالية وصلت الى حد 4000 دج لكل ناخب يتعهد بالتصويت لتشكيلة سياسية معينة، وهو ما يعني إذا تأكدت هذه الأخبار المصنفة الى حد الآن في خانة الدعاية الانتخاباوية والمنافسة غير الشريفة الهادفة الى تشويه بعض المترشحين من قبل منافسيهم، أن عنصر المال بات يهدد نزاهة الانتخابات وان التزوير الذكي سيقع من قبل المتنافسين أنفسهم وليس من قبل السلطة كما كان الأمر عليه في السنوات الماضية. الإسلاميون في قفص الاتهام قبل انطلاق الحملة الانتخابية، كانت مسالة المال مطروحة في خضم جدل سياسي وإعلامي صاحب التحضير لانتخابات مصيرية تعهد الرئيس بتوفير المناخ الملائم لنزاهتها وشفافيتها، فقد سارعت العديد من الأحزاب الديمقراطية وفي مقدمتها حزب العمال الى دق ناقوس الخطر القادم من استغلال المال في الحملة الانتخابية، وذهبت حنون الى حد مطالبة السلطات العمومية بمراقبة تمويل الحملات الانتخابية، خاصة وأنها أعلنت صراحة أن بعض قادة الأحزاب الإسلامية في إشارة الى التكتل الأخضر وجبهة العدالة والتنمية التي يقودها جاب الله قد تتقلى الدعم المادي من دول الخليج ومن قطر تحديدا وأيضا من جماعة الإخوان المسلمين، وزادت شكوك حنون بعد إعلان العدالة والتنمية عن إطلاق قناة تليفزيونية تكون الدرع الإعلامي للشيخ عبد الله جاب الله وحزبه السياسي، وتأكيد قادة التكتل الأخضر عن الشروع في الترتيبات الإدارية والمالية لإطلاق قناة أخرى تتكلم باسم التكتل. وفي نفس الطرح سار رئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس الذي يقود حملة شرسة ضد الإسلاميين الذي يهددون النظام الجمهوري حسبه بدعم خارجي من الحركات الإسلامية ودول الخليج العربي منا يعتقد. ورغم مسارعة قادة التحالف الأخضر ورئيس جبهة العدالة والتنمية الى نفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، إلا أن العديد من الفاعلين السياسيين يعتقدون أن الأحزاب الإسلامية التي تتوفر على غطاء مالي قوي تستفيد من دعم خارجي، لكن لا احد الى حد الساعة استطاع إثبات هذه الاتهامات. بزنسة في الأحزاب الصغيرة ورجال مال يلهثون وراء الحصانة بأي ثمن من بين المفارقات التي ميزت الحملة الانتخابية وقبلها التحضير لها، أن بعض الأحزاب السياسية التي ولدت قبيل موعد الحملة استطاعت توفير أموال ضخمة لتسيير الحملة والإنفاق على الدعاية بطريقة مثيرة للانتباه، وهو ما دفع الى التساؤل عن مصدر هذه الأموال الضخمة في الوقت الذي لم يحسب عمر هذه الأحزاب بالأيام، وفي هذا الصدد يقول بعض المترشحين أن المال الذي ظهر لدى الأحزاب الصغيرة وعددها 21 حزبا معتمدا حديثا وان كال متفاوتا من حزب الى آخر، يؤكد عملية بيع القوائم التي أثارت ردود أفعال كثيرة في الساحة السياسية والإعلامية، فقد بلغ الأمر الى تصريح قادة أحزاب باشتراطهم لمبالغ مالية تجاوزت ال100 مليون سنتيم على المترشحين الراغبين في تصدر قائمة الحزب، كما هو الحال مع رئيس الجبهة الوطنية موسى تواتي الذي برر العملية بضمان تمويل الحملة من قبل مناضلي الحزب وليس من قبل جهات، مضيفا انه العملية هذه جرت في شفافية من خلال صب الأموال في حسابات الحزب وليس عن طريق الشكارة كما أضاف. لكن شجاعة موسى تواتي في التصريح بالعملية لم تتوفر لكل قادة الأحزاب الجديدة التي تكتمت على الحصيلة المالية الناجمة عن بيع رؤوس القوائم. ليس الأحزاب فقط، فالاتهامات طالت بعض رجال المال والأعمال المترشحين سواء في قوائم حرة أو ضمن بعض أحزاب، حيث يتهم هؤلاء بتسخير المال وشراء الذمم من اجل بلوغ قبة البرلمان، سيما وان البرلمان بالنسبة للغالبية الغالبة من رجال الأعمال لا يمثل سوى الحصانة البرلمانية وتوفير غطاء لقضاء المصالح المختلفة. الأحزاب التقليدية في وضع أفضل وفي ظل هذا الجدل المثير عن استعمال المال بطريقة مفرطة، تبدو الأحزاب التقليدية أو التي تصنف في خانة الأحزاب الكبرى في موقع أفضل، حيث لم تطالها تهم استغلال المال بنفس الدرجة التي طالت الأحزاب الإسلامية أو الأحزاب الصغيرة، فعلى سبيل المثال يخوض الآفلان حملة انتخابية بسيطة من حيث الإنفاق الدعائي، ونفس الشئ تقريبا بالنسبة للارندي، وقد يعود ذلك الى تجدر الحزبين هيكلتهما التي سمحت بضمان تمويل أنشطة الحزب من اشتراكات المناضلين وتعويضات المنتخبين في العهدات السابقة. الداخلية تراقب وتلتزم الصمت غير أن ما يسجله المراقبون لمجريات الحملة الانتخابية والجدل الدائر بين مختلف الأحزاب والمترشحين، بشأن توظيف المال أو استعمال وسائل الدولة في الحملة، هو التزام وزارة الداخلية والجماعات المحلية الصمت حيال المسالة متحججة بعدم وصول شكاوى أو بالأحرى أن المسالة باتت من اختصاص لجنتي المراقبة والإشراف القضائي، لكن مصادر مطلعة تشير الى أن الداخلية تراقب مسالة استغلال المال وتتحرى في التصريحات الصادرة هنا وهناك.