تقول الحكمة: »إن رأس الحكمة معرفة الذات« ، لذلك قد يكون جلول جودي مصيبا عندما قال أن الشيخ جاب الله أعماه الغرور السياسي. لقد كنت من الذين انتقدوا »الإعلاميين« الذين اتهموا »مهري وآيت أحمد بالخيانة« بسبب سانت إيجيديو، لذلك كان يجب أن أدين اليوم تحامل جاب الله على آيت أحمد أيضا. قبل الانتخابات التشريعية أصيب الإسلاميون الجزائريون بنوع من الهيستيريا، حيث كانوا يحضرون حتى لتشكيل الحكومة وترأسها، رغم أن الحكومة من الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية. وفعلوا ذلك لأن »الغرور السياسي« جعلهم يعتقدون أن »خراج« الربيع العربي سيحصدونه في الجزائر، إذا جاز القياس على مقولة هارون الرشيد لغيوم المطر »إذهبي حيث شئت وامطري حيث شئت سيأتيني خراجك«. ولسوء حظهم أو لسوء تقديرهم، لم ينتخب التونسيون ولا الليبيون ولا غيرهم في الجزائر، بل انتخب الجزائريون، فحصدت جبهة التحرير »الخراج« دون الإسلاميين، الذين حصدوا »خراج الغرور«. و »الغرور من المهلكات« كما جاء في الأثر. فلولا الغرور لما هلك إبليس، لكنه اغتر وقال: »أنا خير منه«، أي من آدم عليه السلام. ولو لا الغرور لما انهزمت قريش في غزوة حنيين، حيث قال تعالى: »ويوم حنين إذ أعجبتكم قوتكم«. ولولا الغرور لما قتل المتنبي، لكنه استسلم لشعره وقاوم حتى قتل، ولو لم يغتر بنفسه وقال: »الخيل والليل والبيداء تعرفني** والسيف والرمح والقرطاس والقلم« لفرّ ناجيا بنفسه. بعض الإسلاميين، ومنهم عبد الله جاب الله، أصيبوا بالغرور فعلا، ورغم أنه حصد »خراج الغرور« ما زال لم يعتبر بعد، حيث أراد تزعم المعارضة المنهزمة التي باعت القوائم لغير المناضلين، أو وضعت أفراد عائلتها على رأس القوائم كشكل آخر من أشكال البيع، وراحوا ينصبون برلمانا شعبيا موازيا للبرلمان الرسمي، وكنت من الشاهدين على تنصيب ذلك البرلمان في مدينة سطاوالي في مقر الحزب الوطني الجمهوري لعبد القادر مرباح. والذي يسمع عبارات »البرلمان الشعبي« يعتقد أن »البلاد خلات«، وفي الواقع فإن هذا البرلمان لم يتعد لافتة واحدة كتب عليها »تنصيب البرلمان الشعبي«، وفي المساء لم يعد لتلك اللافتة أي أثر. ذلك هو »البرلمان الشعبي« الذي يدّعون، برلمان اكتسب سطيعا إعلاميا من تصريح وزير الداخلية الذي اعتبره مساسا خطير بالسيادة، ولولا ذاك لما كان له أي أثر. لكن من المؤكد أن عبد الله جاب الله يكون قد سجل في سيرته الذاتية أنه: »أول من أقام برلمانا شعبيا في الجزائر«، على قياس أنه »أول من فعل كل شيء في الجزائر: من الدعوة، إلى المصالحة، إلى أي شيء يخطر على بالك«. وتعجبت كثيرا كيف تجرأ جاب الله وانتقد حسين آيت أحمد واتهم الأفافاس بالتواطؤ مع السلطة، بسبب عدم مشاركة الدا الحسين في البرلمان الشعبي، وعدم انخراطه في مسعى جاب الله لمقاطعة البرلمان. فهل نسي جاب الله أنه كان في البرلمان عندما كان آيت أحمد مقاطعا له ؟ لكن لم أسمع تصريحا من الدا الحسين يتهمه بالتواطؤ مع السلطة أو مع غيرها. وهل نسي جاب الله أنه ما كان ليكون شيئا لو لم يرضع من حليب »سانت إيجيديو« الذي حلبه الراحل عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد أطال الله في عمره. هل نسي جاب الله ذلك التكريم الذي كرمه إياه حسين آيت أحمد في روما عندما نزع »شاشية جاب الله« ووضعها على رأسه، في إشارة قوية إلى قبوله العمل السياسي مع الإسلاميين إذا كانوا يقبلون بالعمل الديمقراطي. أنا كنت من الذين انتقدوا »الإعلاميين« الذين اتهموا »مهري وآيت أحمد بالخيانة« بسبب سانت إيجيديو، لذلك كتبت اليوم أدين تحامل جاب الله على آيت أحمد أيضا. لنتساءل فقط، هل لو حصل جاب الله على مرتبة محترمة في التشريعيات، وحصل آيت أحمد على 7 مقاعد فقط، ودعا الأفافاس للإنسحاب من البرلمان. هل كان جاب الله ليتبع الأفافاس؟ إذا كان الجواب بالنفي، هل كلما اختلف معنا الآخرون في الرأي نقوم بشتمهم والتحامل عليهم؟ إن رأس الحكمة معرفة الذات، والغرور من المهلكات.