عقيلة رابحي برحيلك أيها الشاعر الكبير تكون الأمة العربية قد فقدت واحدا من أهم مثقفيها الذين ارتبط اسمهم بالثورة والوطن... استطعت أن تخرج القصيدة من النمطية والكلاسيكية لتصبح بطعم قضية ونكهة وطن، قصيدة تمشي على الأرض لوقعها صوت المدافع ولهمسها صليل السيوف ولنبضها أمل في الشفاء من "وباء الحصار" فكرت في الآخرين البعيدين قبل أن تفكر بنفسك فلم تكن مجرد شاعر وإنما مناضل كبير عاش من أجل القضية وعشقها حد النخاع فكان لك شرف إعلان الاستقلال الفلسطيني. رحلت.. وستمضي بعدك المواسم غير أنك ستظل جرحا غائرا في التيه وطيفا يلامس شغاف الروح. من يمد اليوم يد العزاء لفلسطين وهي في أمس الحاجة إليك؟ من بعدك يقرأ قصائده فيهز الجماهير ويزعزع ضمائر الملوك والرؤساء مثلما كنت تفعل ؟.. ليست لنا سوى الكلمات التي لاتفي بحقك أيها الشاعر العظيم، سنسجل أنك عربي ودمك عربي وسنظل نردد قصائدك التي تعبق بالوطنية كنت تدرك أنك ستموت يوما مثل كل البشر غير أن خوفك الأكبر كان من موت قدرتك على الكتابة وموت من يلفت الانتباه إلى المقهورين على هذه الأرض: وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ لا تَنْسَ قوتَ الحمام وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ لا تنس مَنْ يطلبون السلام وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ مَنْ يرضَعُون الغمامٍ وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ ثمّةَ مَنْ لم يحد حيّزاً للمنام وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام.. ثم ما تلبث أن تواجه فافرح، بأقصى ما استطعتَ من الهدوء، لأنَّ موتاً طائشاً ضلَّ الطريق إليك من فرط الزحام.... وأجّلك ولا أحد مثلك استطاع أن يعبر عن حنينه لأمه مثلما عبرت أنت: أحنُّ إلى خبز أُمي ولمسة أُمي.. وتكبُر في الطفولةُ يوماً على صدر يومِ وأعشَقُ عمرِي لأني إذا مُتُّ, أخجل من دمع أُمي قرأت لك منذ نعومة أضافري و منذ أن كنت طفلة تهتدي بعفوية إلى الأشياء أحببت فيك نضالك ودفاعك المستميت عن القضية، كنت أشير إليك كلما رأيتك على شاشة التلفاز تقرأ قصائدك وتشد الأنظار إليك: هذا هو الشاعر الكبير محمود درويش..شعرت بالأسى عندما زرتنا ولم أكن موجودة للقاءك.. كنت هنا تنثر كلماتك في سماء الجزائر..رحلت درويش وتركت قصائدك أمانة عندنا ..فهل سيحافظ عليها الشرفاء؟.