مع بزوغ فجر كل يوم، من أيام الصيف، ومع بداية تقاطر المصطافين على الشواطئ قصد قضاء يوم جميل، بعيدا عن فضاءات المدن المختنقة، يبدأ نوع آخر من مرتادي الشواطئ في اتخاذ أماكنهم فوق الرمال وبين الصخور، ليس بهدف النزهة والاستجمام، بل لبيع بعض المواد من مأكولات خفيفة ومشروبات، يتزايد الإقبال عليها على مستوى الشواطئ. غير نشوف واحد لابس مليح، نزيد شوية في السومة " بكل عفوية وبراءة الأطفال، صرح هشام الذي إتخذ من شاطئ النخيل بمدينة سطاوالي مصدرا لرزقه، خلال موسم الاصطياف أغلب الباعة هم من تلاميذ المدارس، وبالتالي فهم باعة موسميون، يتدبرون مسبقا مصاريف الدخول المدرسي المقبل، أو تكلفة قضاء عطلة صيفية قد لا تتجاوز مدتها الأسبوع الواحد، وبالتالي فهؤلاء الأطفال لم يتركوا قاعات الدراسة إلا ولقنتهم الحياة درسا آخر، عنوانه: المثابرة والاعتماد على الذات. كثيرون هم أمثال هشام، الذين يجدون في ارتفاع حرارة الأجواء واكتظاظ الشواطئ بالباحثين عن زرقة المياه، يجدون في ذلك فرصة التوغل بين الأجساد المستلقية فوق الرمال، حاملين معهم ما لا يقاوم إغراءه من مشروبات باردة ومأكولات خفيفة، ومثلجات على اختلاف أنواعها، لا يتوانى المترددون على الشواطئ يقبلون عليها، فلا يخفى على أحد، تلك الرغبة الكبيرة التي يولدها الجلوس قبالة شاطئ البحر في التهام كل ما تقع عليه العين، وذلك الإحساس الكبير بالجوع الذي نشعر به عند عودتنا إلى المنزل كلما قضينا يوما في أحضان الرمال وإذا كانت بعض الشواطئ قد وفر لها القائمون عليها مرافق خاصة، يجد فيها المصطافون كل ما يحتاجون إليه من مأكولات ومشروبات، وبعض الكماليات، فإن البعض الآخر يبقى يفتقر إلى مثل هذه المرافق، وبين هذا الوضع وذاك، يكون بعد هذه المحلات عن الشاطئ حائلا دون ارتيادها. بعض المصطافين يفضلون الاستغناء عن اقتناء ما يحتاجون إليه من مأكل ومشرب، وينطلقون في التحضير والاستعداد ليوم الاصطياف في الليلة السابقة، فتجتهد الأمهات في إعداد بعض الوجبات الخفيفة المناسبة لفصل الصيف مع احترام شروط حفظها ، دون إغفال كميات المشروبات والسوائل التي يتم تخزينها، خاصة كميات المياه التي توضع داخل البراد . مصطافون آخرون يقصدون الشاطئ رفقة الأصدقاء أو منفردين بدورهم يتدبرون أمرهم بعيدا عن الشاطئ، والمصدر إما مطبخ الأسرة أو بعض المحلات، "هنا الأثمان مرتفعة، بينما تكفي 50 دينارا لشراء ما يسد رمقي ويكفي بطني في انتظار العودة إلى البيت، يوضح كريم الذي يبدو أنه يقضي يومه رفقه عدد من أصدقائه الأطفال رغم كل هذا فالمياه المتجمدة لن تقاوم شدة الحر طيلة اليوم، وإلحاح المعدة على التهام المزيد، يدفع بالبعض إلى البحث عن ما يوقف الظمأ ويسكن الجوع، وهنا يتدخل هشام وزملاؤه للقيام بالمهمة ميزة القرب والسرعة التي تتسم بها خدمات هؤلاء الباعة، لا تكون في غالب الأحيان مجانية، فقطعة خبز مصنوع في البيت، وبيضة، قد يصل ثمنها 60 دينار، وكوب من الشاي الذي تجده في كل المحلات ب 10 دنانير، لا يقل ثمنه عن 20 دينار، والشعار هنا " تاي، طايب على الجمر"، حيث لا ينجو المغتربون والسياح الأجانب على وجه الخصوص من محاولات الاستغلال هذه الزيادات في الأسعار، يبدو أنها لم تثر امتعاض الكثير من الناس، "ليس كثير، فزيادة عشرة أو عشرين لا يهم، نحن في الشاطئ" تقول سيدة وهي تقتني الشاي لأطفالها