رئيس الحكومة، والذي قد يصبح الوزير الأول بعد حين، كان سيء الحظ مرة أخرى، فقد وقف في الناس خطيبا يعدد محاسن تعديل الدستور وضرورته وأهميته، ويصف ما جرى أمس في قصر الأمم بالحدث التاريخي، وهذا الموقف سيحسب على أويحيى الذي كان يرى أن المطالبة بتعديل الدستور مجرد مزايدات "سياسوية" كما يحب أن يقول دائما. قبل فترة ليست بالبعيدة كان أويحيى يجاهر بمعارضته لتعديل الدستور وقد اقترح أن يتم تعديل المادة 74 من الدستور للسماح للرئيس بالترشح لعهدة ثالثة وهذا يكفي في نظره، لكنه اليوم اكتشف هذا التعارض بين صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس الحكومة واقتنع أن الجزائر كانت حالة شاذة بنظامها الغريب الذي لم يكن رئاسيا ولا برلمانيا، وفجأة أصبح أويحيى يرى أن تعزيز حظوظ مشاركة المرأة أولوية ملحة لا تقبل التأجيل، وما قاله بالأمس أمام البرلمانيين المحتشدين في نادي الصنوبر لتزكية التعديل يعتبر موقفا شجاعا قلما يتحمل وزره سياسي حريص على حظوظه في المستقبل. التوبة في السياسة أبوابها مشرعة في كل حين لكن ثمنها باهظ، وبكل تأكيد فإن أويحيى غير مواقعه كثيرا دون أن يخسر شيئا، فقد كان ضد المصالحة ثم أصبح داعية لها وكان ضد تعديل الدستور وهو اليوم يبرره وكان ضد الزيادة في الأجور فأصبح يفاخر بها ويصف بالإنجاز الكبير، ومع كل تحول في مواقف الرجل تفقد القضايا التي يتبناها مصداقيتها لأنه لم يحرص أبدا على مصداقيته انطلاقا من قناعته الراسخة بأنه ابن الدولة وخادمها كما يحب أن يصف نفسه. الإصلاح عمل ميداني ومصداقيته جزء من مصداقية الأشخاص المكلفين بتجسيده، وتغيير المواثيق، إن كان المقصود منه الإصلاح، يستدعي حتما تغيير الوجوه، وإلغاء منصب رئيس الحكومة لن يتحول إلى حقيقة في نظر الملايين، الذين لا تعنيهم محاضرات القانون الدستوري في شيء، إلا إذا شغل المنصب الجديد وجه جديد.