لم تتفق حتى الآن النقابات المستقلة على الخطوات الاحتجاجية المطلوبة نقابيا وعماليا، ففي الوقت الذي قررت فيه، بداية من 13 ديسمبر المقبل خمس نقابات من قطاع الصحة ممثلة في نقابات: الأساتذة، الأساتذة المساعدين في العلوم الطبية، جراحي الأسنان، الصيادلة، والأخصائيين النفسانيين،الإضراب عن العمل عقب عيد الأضحى المبارك، تحفظت عنه نقابات أخرى، وتخلت عنه نقابات ثالثة، اتهمت بالميول إلى فضاءات السلطات العمومية. يبدو أن النقابات المستقلة قد تفرقت فيما بينها، وفقدت إلى حد ما عنصر التنسيق الذي راهنت وتراهن عليه القواعد العمالية، في القطاعات العمومية التابعة إلى قطاع الوظيف العمومي، وحتى وإن سلمنا بما تحاول أن توهمنا به بعض النقابات في الموقف من الإضراب اليوم أو غدا، فإن الاعتقاد السائد عند مختلف الفئات العمالية المعنية بالمطالب المهنية الاجتماعية المرفوعة يستبعد أن تكون أسباب الاختلاف الحاصل ولا أقول الخلافات الحاصلة نابعة من الخصوصيات القطاعية، هذا أمر مستبعد عند الكثيرين ممن تقربت منهم " صوت الأحرار "، لأن خصوصيات القطاعات لم تكن في يوم من الأيام عائقا في التنسيق بين النقابات، ذلك أن أساسيات الموقف العام المشترك تبنى دوما على قواسم مشتركة حتى ولو كانت في حدها الأدنى. هناك مثلما قال أحدهم من تحجج بخصوصيات الظرف الذي يحياه قطاع التربية، وجملة الفروق بينه وبين قطاع الصحة العمومية، شريكه في العملية التنسيقية الاحتجاجية، إلا أن واقع الحال مثلما أوحى بعض منهم ل "صوت الأحرار" أن المسألة وما فيها، أن وزير التربية أبو بكر بن بوزيد التقى مؤخرا على هامش الندوة الوطنية الخاصة بالعدة التنظيمية للقانون التوجيهي، المنعقدة في نادي الجيش الوطني الشعبي،وقيل أنه تباحث وإياهم في الأوضاع الراهنة، وفي جملة المطالب المهنية الاجتماعية المطروحة، وقد أظهر لهم مرونة كبيرة وتفهما لم يلمسوه فيه من قبل، ووعدهم بالعمل سويا من أجل تحقيق وتجسيد ما نصت عليه المادة 80 من القانون التوجيهي، التي تباينت حولها الرؤى الخاصة بالنقابات، وذهبت إحداها لدرجة القناعة التامة أن تطبيق ما تضمنته هذه المادة تطبيقا فعليا وحقيقيا يكفي لأن ترفع وزارة التربية الوطنية كافة أشكال ومعايير الغبن والهشاشة الاجتماعية على جميع عمال القطاع. ويبدو بالفعل أن الأرضية القانونية الخصبة للنصوص القانونية والمراسيم التنفيذية العديدة للقانون التوجيهي التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية دفعة واحدة، كان لها أيضا الدور الكبير في لجوء نقابتي أساتذة التعليم الثانوي والتقني (سناباست )، والاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين ( إينباف ) إلى الفرملة والتريث، والعودة من جديد إلى القواعد العمالية، حتى توافيها القيادات التي حضرت الندوة المشار إليها سابقا بكل ما دار بينها وبين وزير التربية الوطنية ومساعديه، وفي نفس الوقت وجدت نفسها مجبرة أخلاقيا على العودة إلى قواعدها الواسعة من أجل إطلاعها على مجريات الندوة، وهي في نظر المتتبعين للشأن التربوي ندوة هامة وغير عادية،واستمدت أهميتها من الكم الهائل( الذي ربما يحدث لأول مرة في تاريخ المنظومة التربوية) من التشريعات الجديدة والمراسيم التنفيذية، حيث بلغت 55 نصا قانونيا، و17 مرسوما تنفيذيا، وهي كلها تندرج ضمن إطار القانون التوجيهي الجديد المعول عليه في إنجاح الإصلاح التربوي، الذي يرى وزير التربية نفسه كما يرى غيره من المربين والمختصين، أن لا جدوى من إصلاح تربوي يتجاهل الظروف المهنية والاجتماعية لعمال القطاع، وفي مقدمتهم المربين. بناء على هذه القناعة كان أوضح الأستاذ عمراوي مسعود عضو المكتب الوطني المكلف بالإعلام في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين أن هذا الأخير سيعقد دورة خاصة ويتخذ المواقف الجديدة على أساس المستجدات المراد تبليغها، والتي يكون أملاها عليه واجب التحفظ في الإفشاء بها ل "صوت الأحرار"، ولن يطول أمر هذه الدورة، ونفس الموقف تقريبا بالنسبة إلى النقابة الأخرى التي هي نقابة مزيان مريان، وهما تعجلت أو تباطأت هاتان النقابتان في في اتخاذ الموقف الجديد، فإنه يبدو من الآن أن نقابات التربية غير مهيأة لخوض إضرابات حقيقية مثلما كانت تصرح للصحافة الوطنية قبل انعقاد ندوة القانون التوجيهي، وهذه هي العقدة التي قد تؤجل مطمح التنسيق النقابي الفعلي بين قطاعات الوظيف العمومي، وحلم الفيدرالية المنشودة.