يكاد يُراد لنا أن لا ننظر للقضية من وجهها الصحيح، فنشعر بأن هناك استغلالا لعواطف الشعوب العربية من أجل التنفيس عن غضبها في مختلف العواصم بالمسيرات والخطب والتجمعات ورفع شعارات برّاقة كفتح الباب الجهاد ضد الصهاينة ونصرة أهلنا في غزة.. يُراد لنا أن نرضى على هذه الأنظمة التي بركت على صدر الشعوب زمنا طويلا دون شرعية أو ديمقراطية والتي سارعت إلى أداء واجبها الإنساني في إغاثة الضحايا في غزة عبر شاحنات وطائرات الغذاء والدواء وإسعاف الجرحى والمصدومين.. يُراد لنا أن تتحول حركة الوعي عن مسارها فنعتقد بأن ما يحتاجه الموقف اليوم هو المساعدات والتعبير عن المواساة بأشكال التضامن الإنساني، بدل حماية خيار المقاومة وتطوير أساليبها إلى التضامن السياسي الذي يُبقي على صمود مشروع المقاومة لأنه الأداة الإستراتيجية الوحيدة للموازنة بين أي موقف تفاوضي مستقبلي أو حتى استعجالي ورفض أي تسوية ترهن الحقوق الوطنية الفلسطينية. ما يريده النظام الرسمي العربي أو بعض القوى العربية والفلسطينية الموالية هو إنهاء المشكلة سريعا في غزة من قبل الكيان الصهيوني، ولا بأس ببعض أشكال التنفيس والغوغائية لامتصاص الغضب وتلميع الصورة فهذه الأنظمة لم يعد لديها ما تخفيه دبلوماسيا وسياسيا وحتى إعلاميا لتبرير مواقفها الخاطئة والمتخاذلة. إن تصوير جهد الإغاثة المرسل إلى أهل غزة على أنه واجب قومي ونضالي هو منتهى التضليل ولا يمكن أن يغطي على العجز السياسي، لأن إسعاف الضحايا واجب إنساني أما دعم المقاومة ومناهضة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة فهو واجب قومي ومسؤولية تاريخية. الدموع الحرّى التي نذرفها على غزة وما يصيب أهلنا فيها من محارق وجور هي شعور نبيل بالانتماء لكنها قطعا لن تردّ الحق ولن تستردّ أرضا اغتصبت أو تسترجع شرفا لحقه الأذى.. الإغاثة والإسعافات لن تغطي على عجزنا وقصورنا..ويجب أن لا تلهينا عن واجب دعم المقاومة لرفض الهيمنة واستثمارها سياسيا في إدارة الصراع ضد هذا الكيان وأذياله. "لا تصالح على الدم.. حتى بدم! لا تصالح! ولو قيل رأس برأس أكلُّ الرؤوس سواء؟ أقلب الغريب كقلب أخيك؟! أعيناه عينا أخيك؟! وهل تتساوى يدّ.. سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك"؟ أمل دنقل