دعا بعض المشاركين في الندوة الإقليمية حول إصلاح العقاب الجنائي في الجزائر إلى إنشاء لجنة عقلاء يترأسها القاضي الأول للبلاد للنظر في عقوبة الإعدام التي جمدت الجزائر تنفيذها منذ 15 سنة وهو ما يعد من وجهة نظر هؤلاء إلغاء فعلي للعقوبة، وهو المقترح الذي رفضته أصوات أخرى التي رأت أن الشعب وحده المخول في الفصل في هذا الموضوع عن طريق استشارة شعبية. تراوحت مداخلات اليوم الثاني والأخير في الندوة الإقليمية حول إصلاح العقاب الجنائي في الجزائر وتفعيل توصية الأممالمتحدة لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، بين مؤيد ومتحفظ ومعارض لفكرة إلغاء عقوبة الإعدام من قانون العقوبات وإن كان الطرح الغالب لدى المتدخلين من نشطاء حقوق الإنسان وتنظيمات المجتمع المدني يتجه نحو إلغاء العقوبة استنادا إلى غياب نظام قضائي عادل يمكن منحه صلاحية سلب الحق في الحياة الذي هو حق مقدس من وجهة نظر هؤلاء، ويستند دعاة هذا الطرح وفي مقدمتهم طاهر بومدرة المدير الإقليمي لشمال إفريقيا وللمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي إلى أن أغلب الدول العربية بصدد إدخال إصلاحات وتحسينات على أنظمتها القضائية، وهو ما يعد من وجهة نظره اعتراف ضمني من هذه الدول بأن أنظمتها القضائية قاصرة وبحاجة إلى تطوير، كما يدعم هذا الأخير موقفه بتجميد الجزائر لتنفيذ عقوبة الإعدام منذ 15 سنة أي أنها فعليا لا تطبقها فما المانع من إلغائها من النصوص التشريعية والقانونية. وذهب بومدرة بعيدا في طرحه خلال فتح النقاش في نهاية الجلسة الأولى مؤكدا أن غالبية الحكومات العربية لا تجد طريقا للتوفيق بين رغبتها في إلغاء عقوبة الإعدام بدليل أن العديد منها أوقفت تنفيذ العقوبة وبين توجهات مجتمعاتها وشعوبها لأنها ليست جاهزة بعد لمثل هذا القرار بالنظر للبعد الديني والعقائدي لعقوبة الإعدام. وفي المقابل ارتأى بعض المتدخلين ترك الكلمة الأخيرة للشعوب للفصل في هذه المسألة، بينما تقتصر مهام الحقوقيين والأنظمة على إصلاح العدالة وهو ما ذهب إليه الحقوقي السعودي ورئيس لجنة الخبراء القانونيين في منظمة العمل العربية رزق بن مقبول، مبرزا أنه بدل التوقف عند المبررات التي يستند إليها المناهضون والمؤيدون لعقوبة الإعدام يجدر كمرحلة أولى الالتفات إلى إصلاح قانون الإجراءات الجزائية وهو الحل الذي يضمن توفير أكبر قدر من الشروط لإجراء محاكمة عادلة قدر الإمكان، كما اعتبر أن مسألة إلغاء الإعدام التي تلاقي الكثير من الجدل على مستوى الدول الإسلامية "تتطلب الرجوع إلى الاستشارة الشعبية" مستندا في هذا الرأي إلى كون "القانون في مفهومه العام هو إرادة المجتمع المعبر عنها من خلال قاعدة قانونية. و اعتبر المتحدث أن إلغاء العمل بحكم الإعدام يعد مسألة "جد حساسة" تستوجب استشارة الشعب مفندا في ذات الوقت وجود "أية علاقة" بين إلغاء الحكم بالإعدام ومسألتي التنمية والديمقراطية، مستشهدا ببعض الأحكام الشرعية حول القصاص في الإسلام، وهو نفس الطرح الذي ذهب إليه محفوظ سماتي مستشار بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي رفض بدوره الربط بين الدول الإسلامية التي تطبق عقوبة الإعدام وبين معايير التخلف والتقدم ومتطلبات العولمة والتحولات الاقتصادية، قائلا "تطبيقنا للعقوبة التي نص عليها الدين الإسلامي الذي هو دين الدولة لا يعني أننا غير متحضرين وإنما نؤكد أن لكل دولة ومجتمع خصوصيته التي يجب احترامها". وإلى جانب الطرح الذي أيده الأغلبية بضرورة فتح النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام داخل المجتمع ليقول كلمته الأخيرة في الموضوع اقترح البعض إنشاء لجنة عقلاء يترأسها القاضي الأول للبلاد للنظر في المسألة والفصل فيها، أما توصيات الندوة فقد تمحورت حول جملة من النقاط في مقدمتها الإشادة بموقف الجزائر من التوصية الأممية الداعية إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام ودعوة الدول العربية إلى أن تحذو حذو الجزائر، كما دعا المشاركون الجامعة العربية إلى إدخال تعديلات على المادة 7 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان بحيث يمنع النطق بحكم الإعدام على من هو أقل من 18 سنة، إلى جانب الدعوة إلى تقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام.