حركة الإصلاح الوطني، التي هي الامتداد لحركة النهضة، تصلح لتكون نموذجا لفهم ما يمكن أن يسمى الأحزاب الانشطارية، فقد انقلب بعض القياديين في النهضة على جاب الله وذهب ليشكل الإصلاح ثم انقلب عليه مقربوه في الإصلاح ليجد نفسه معارضا بلا عنوان سياسي، وانتهى الأمر باستقالة أحد رموز المنشقين عن جاب الله وهو محمد بولحية من الحركة التي يقودها الآن المرشح لانتخابات الرئاسة جهيد يونسي. بولحية أعلن اعتزاله للسياسة، وهذا قرار جدير بالاحترام، وقد قال في بيان استقالته إن الذي يقود الإصلاح اليوم لا يختلف عن جاب الله إلا في شيء واحد وهو أنه بلا لحية ولا يلبس "شاشية"، وقد اتهم بولحية من ساعدوه في الانقلاب على الزعيم التاريخي للحركة بالتسلط وخدمة مصالحهم الذاتية. قد يحقق يونسي بعض المزايا من ترشحه للانتخابات، غير أن المؤكد هو أن مستقبله السياسي أصبح وراءه، وحركة الإصلاح التي يقودها ستبقى مجرد جمعية مساندة تقتنص الفرص للحصول على أموال الريع إلى أن تتغير قواعد اللعبة السياسية في هذا البلد، ولاشيء يمكنه أن يعيد المصداقية لهؤلاء الذين غرقوا في هذه الأوحال سوى الاستقالة واعتزال العمل السياسي نهائيا. منذ بداية الأزمات في حزبي جاب الله الأول والثاني لم نسمع بحوار فكري أو جدل سياسي بين المتخاصمين، كانت هناك شتائم متبادلة، وفي كل مرة كان الحل هو أن يجد كل واحد حزبا يقوده، وأغرب ما في الأمر هو أن النهضة تفكر في إعلان توبة جماعية وإعادة جاب الله إلى الزعامة بأي طريقة، والشيخ لا يمانع بل هو مسرور تماما ويستعجل إنهاء الصفقة. عندما كانت التعددية في أيامها الأولى قال جاب الله كلمة مشهورة يسجلها التاريخ "إذا جاز التحزب في الإسلام فلا يجوز التحزب لغير الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وبعدها بقليل خرق هذه القاعدة وأسس حزبه وأصبح متهما بشق الصف الإسلامي، والمشكلة الكبرى هي أن هذه الحروب الطاحنة كانت بسبب الزعامة فقط، وقد اثبت من خلالها الإسلاميون الجزائريون أنهم "أحرص الناس على حياة " عكس ما يقولونه في خطاباتهم وخطبهم.