تعجبت لاستقالة محمد بولحية من رئاسة حركة الإصلاح الوطني، وتعجبت أكثر لما قرأت استقالته التي " يتهكم " فيها على مرشح الحركة للإنتخابات الرئاسية محمد جهيد يونسي ، وتعجبت أيضا لأنه " دغدغ " الشيخ عبد الله جاب الله بعد أن كان واحدا من الإنقلابيين عليه. عندما نقرأ حال " جماعة " عبد الله جاب الله، نلاحظ أن أيام عزهم كانت في ظل رئاسة عبد الله جاب الله لهم، لقد ترأسهم في حركة النهضة، وأعطى لهم مكانة سياسية بدفاعه عن المصالحة الوطنية وانضمامه لجماعة العقد الوطني، ومكنهم من دخول البرلمان والمجالس الشعبية المحلية .. وحدث أن خدعوها بقولهم حسناء، والغواني يغرهن الثناء ، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي، فاعتقدت " جماعة جاب الله " أن السياسة عمل سهل، وأن أبواب البرلمان أصبحت مفتوحة في وجوههم، فجربوا الإنقلاب عليه .. و" طردوه " من النهضة .. فلملم الشيخ أوراقه وأسس حركة الإصلاح الوطني. والحاصل أن مركز الثقل انتقل من النهضة إلى حركة الإصلاح .. ولم يحصد المنقلبون على جاب الله سوى مزيدا من التشرذم، والتقهقر السياسي. فيما أصبحت حركة الإصلاح الوطني حزب له نواب في البرلمان .. في حين لم تفلح النهضة في حصد أكثر من مقعد واحد بعد أن كان لها نحو 34 مقعدا. ومن جديد اعتقدت "جماعة جاب الله " من الإصلاحيين، أنه بوسعهم الإستغناء عن جاب الله ، وتأسيس حزب محترم، يوزعون ريعه بعيدا عن " دكتاتورية " الشيخ وسطوته. فطردوه من جديد من حركة الإصلاح الوطني .. وبعد سنوات عجزت إصلاح بولحية وجهيد يونسي أن تجد مكانا لها في الحقل السياسي، وحصدت مزيدا من التشرذم والتقهقر.. حتى أن مرشحها الحالي محمد جهيد يونسي لم يتمكن من جمع التوقيعات الضرورية لترشحه لولا تدخل أحزاب أخرى لتنقذه. هكذا إذن اقتنع رئيس الإصلاح محمد بولحية أنهم أضاعوا الوقت، وأنه لا وزن لهم بدون جاب الله. فقرر أن يستقيل .. وربما سيعود إلى أحضان جاب الله لإعادة بناء النهضة أو تأسيس حزب جديد برئاسة الشيخ الذي كان له الفضل في دخولهم جميعا إلى البرلمان، وتحولهم من كائنات ... إلى كائنات سياسية. استقال إذن محمد بولحية من " لاشيء " فهو أو حزبه لم يكن شيئا يذكر، ولو كنت مكانه، لحملت حقيبتي إن كانت لي حقيبة في مثل تلك الحركة ودخلت بيتي مباشرة بدون أن أشعر أحدا .. وأنا على يقين أنه لن يشعر بي أحد. تقول الحكمة : الشيخ لي ما عندو شيخ .. ما هي شيخ يا الشيخ .. لكني لا أريد من القارئ أن يفهم هذا المقال بأنني أقصد أن عبد الله جاب الله هو شيخ الشيوخ، فرئيس الحزب الذي ينقلب عليه أنصاره لنفس الأسباب .. وتتمكن جماعة صغيرة منه وتسلبه حزبه مرتين متتاليتين .. يعني أنه ليس شيخا في السياسة. وبينت تصريحاته في عام 2004 أنه لا يستطيع حتى التمييز بين حلفائه الطبيعيين والظرفيين، بين عمقه الإستراتيجي وتاكتيك العمل السياسي .. كل هذا يثبت المقولة التالية : " ما شي أرواح أقول راني شيخ " .. يا الشيخ .. !!