ضمن برنامج وزارة الثقافة الذي تتوزعه فضاءات ثقافية عديدة كقاعة الموقار والمسرح الوطني ،المعهد الوطني العالي للموسيقى،قصر رياس البحر،قاعة الأطلس ، وتحت شعار "الثقافة...لهن "تزامنا والإحتفال باليوم العالمي للمرأة إحتضن المسرح الوطني الجزائري محي الدين باشطارزي أول أمس عرض مسرحية "بيت برناردا ألبا " وهو عمل مقتبس عن رواية للمؤلف الاسباني فيديريكو غارسيا لورا ترجمة علال المحب فيما وقع إخراجها أحمد خودي بمساعدة محمد عباس إسلام . وهيبة منداس للإشارة فقد سبق عرض هذا العمل لأول مرة من طرف المخرج والفنان علال المحب سنة 1989 ، ويعرضه اليوم وبروح وسينوغرافيا جديدة المخرج أحمد خودي في إطار فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية . تجدر الإشارة إلى أن مخرج المسرحية له عدة أعمال فنية منها "الدرس " سنة 2001 لجان يونسكو ، و" الملك إيبو" لألفريد جاري ، و"جزائر الشعر " لآيت منقلات عرض خلال تظاهرة سنة الجزائر بفرنسا سنة 2003 و"بيت الدمية " وغيرها من الأعمال الفنية المحترمة . مسرحية"دار برناردا ألبا" بدلالاتها وإسقاطاتها السياسية والاجتماعية هي دراما مثيرة خلدها الشاعر الإسباني المغتال فريديريكو غارسيا لوركا في تيهه وعذاباته الوجدانية تتركب من ثلاثة فصول، تحكي آلام الحب، الموت، الحرمان، شخصيات العمل المسرحي تشبه الأشباح التي تسكن هذه الدار المحكمة الإغلاق، دار برناردا ألبا. إنٌها تغوص بنا في تفاصيل إسبانيا المخنوقة بالظلم، إسبانيا على مشارف حرب أهلية التي تندلع فيما بعد على يد الفاشي فرامكو هي نفحات يتصارع في حناياها الحبٌ الذي يجمع ما بين العنف والشاعريٌة، الحوارات واضحة والفعل فيها يتبع خطٌا صارما، ويتٌجه بنا نحو انفراج لا يرحم، القدر المحتوم، نحو الموت. في قرية أندلسيٌة صغيرة، يقع منزل برناردا ألبا، المنزل الذي يغلق كلٌ نوافذه بعد وفاة الأب، الأرملة تُلزم بناتها على الحداد لمدٌة ثمانية سنوات، وحدها البكر "أنغيستياس" المصرٌح لها بالزواج من "بيبيه"، لكن الصغيرة "أديلا" هي من تعشقه وتموت لأجله، لتصنع بانتحارها شنقا، الفاجعة التراجيديٌة . شخوص مسرحية لوركا متصارعة بين الحقيقة و الرغبة، أمٌا فنٌه فهو مستقى من التقاليد الشعبيٌة الإسبانيٌة العميقة، و مبرٌر بالحقائق التاريخيٌة و الاجتماعيٌة الواقعة. النص العربي للمخرج القدير علاٌل المُحب جاء وفيٌا للحبكة حين يحشرن عنوة في مكان واحد مماثل كبيت مغلق من جميع الأوجه. ولا شيء في النهاية يذكرنا بأن النص ليس لكاتب جزائري سوى الأسماء التي بقيت كما هي في النص الأصلي، مع ديكور الطبقة البرجوازية التي طويت صفحتها الماضية.. إخراج أحمد خودي كان موفقا .. وحتى انتقاء الأسماء التي تتقمص الشخصيات النسائية المختلفة كان دقيقا في معظمه، فنجد الدور الرئيس الذي جسدته الممثلة سعاد سبكي "برناردا" مميزا من خلال الطابع التسلطي الذي ظهر في شخصيتها التي تحاول أن تفرض الحزن والحداد المتواصل على بناتها، والدتها العجوز، الخادمتين وكذا بناتها الخمسة. مبعدة عنهن عن أي مصدر للترفيه أو فوضى الخارج إلى أن يحدث تصادم رهيب بين النسوة داخل البيت بسبب الضغط في سعي جماعي من طرفهن إلى كسب قلب أجمل رجل في الحي "بيبي رومانو.".. الجمهور الذي كسر طوق بيت برناردا ألبا الحديدي ليجد وراءه عالما من المشاعر والأحاسيس المتناقضة المتولدة عن الكبت والحرمان،حيث تتشاجر الشقيقات وتصرخ الوالدة وتحتج الخادمة... نقبض على جزئيات الحقد، الغيرة، اليأس والتردد. لا يتوقف حديثهن في سحب سيرة الرجل. كان الرمز الغائب الحاضر في كل الفصول. "دار برناردا ألبا" موشحة بالسواد والمعاناة واختناق ويعكسه خيار اللون الأسود للملابس الذي تتشح بها جميع فتيات العرض، الوالدة، الخادمة والبنات الخمس حزنا على الوفاة للوالد. يرحل الأب ونبقى وجها لوجه مع بيت مغلق لا تسكنه إلا النساء اللواتي يفضحن ما في جعبتهن بإصرار غريب بعد أن تساهم في تلك "التعرية" كل من مشاعر الغيرة، الخوف، الشوق..