لأن الأرسيدي حزب يحتكر الديمقراطية، وجدتني وأنا أرى تلك " الخرقة السوداء" تعلو بناية ذلك الحزب في مكان العلم الوطني، أتساءل بيني وبين نفسي: هل الديمقراطية تجيز لنا إهانة الراية الوطنية وحتى الدوس عليها بالأقدام، وتسمح بالتشكيك في عدد الشهداء وحتى بتجريم المجاهدين وكل الوطنيين لأنهم حاربوا الاستعمار وتجرؤوا على طرده من هذه الديار، وقد يأتي يوم نعتذر فيه للمستعر ونكتب له صكوك الغفران، باسم الديمقراطية طبعا ! بالتأكيد فإن ذلك السلوك، غير الديمقراطي وغير الحضاري وغير الوطني، بقدر ما يؤلم كل جزائري ويؤذي كل الشهداء في دار الخلود، إلا أنه يؤكد أن أصحابه قد فقدوا صوابهم وأنهم يعيشون في محنة، عبرت عنها بوضوح تلك الراية السوداء. وبصرف النظر عن تلك الفعلة الشنيعة التي ارتكبها ذاك الذي ، فإن العامل الأهم هو إقبال الناخبين على التصويت، إذ المطلوب من كل مواطن أن يمتلك إرادته ويعبر عنها بكل سيادة، بعيدا عن السلبية أو الاقتناع بما تروج له بعض الأطراف التي تدعي أن الانتخابات محسومة وأنها مزورة، مع أن الاكتفاء بدور المتفرج هو التزوير الأكبر، على طريقة أولائك " المزورين الكبار" الذين أنزلوا العلم الوطني وأرادوا، من خلال خرقتهم السوداء، البحث عن الإثارة، ولو كانت على حساب قدسية القانون وحرمة الشهداء. التزوير الأكبر هو أن يمنع المواطن بالإكراه من ممارسة واجبه الانتخابي أو أن يحجب الناخب صوته ولا يذهب للدفاع عنه وإعلانه في صندوق الانتخاب، وهذا ما يدعونا إليه أولائك الذين يئسوا من الشعب فحقدوا على الراية الوطنية، رمز وحدة الأمة وإجماعها الوطني. التزوير الأكبر هو أن يتحول المواطن إلى مادح أو ناقد ثم يتقاعس يوم الانتخاب عن أداء واجبه، مع أن التصويت هو المفتاح الحقيقي الذي يغلق كل أبواب التزوير، وهذا ما يتجاهله أولائك الذين لم يجدوا سبيلا للانتقام من الشعب سوى أن ينتقموا من رمز الانتصار والسيادة والعنفوان. إن الشعب يريد انتخابات تكرس ثقة المواطنين في الرئيس والرئاسة، تجدد إيمانهم بقيمة الانتخابات وجدواها تعيد إلى صوت الناخب قدره واحترامه، ذلك هو الرد على الذين أرادوا التطاول على العلم الوطني. هذا ما يريده الشعب وهذا ما ينبغي أن يناضل من أجله كل المترشحين للرئاسيات المقبلة، حيث ينبغي أن تكون الثقة كاملة في اختيار الشعب• إن على الجزائريين أن يكونوا معنيين مباشرة بالعملية الانتخابية، من خلال الإقبال على صناديق الاقتراع وحماية أصواتهم وعدم التفريط في كل الحقوق التي يكفلها لهم القانون، تماما مثل احترامهم للرموز الوطنية وحرصهم على حمايتها والتصدي لكل من يحاول الإساءة إليها. فالانتخابات الرئاسية فرصة لا يجب التفريط فيها، حتى يكون هذا الاستحقاق مناسبة لمنافسة شريفة ونزيهة بالشكل الذي يكرس دعائم النظام الديمقراطي ويدعم مصداقية الدولة ويطمئن المواطن الناخب بخصوص احترام إرادته التي يعبر عنها من خلال الصندوق• والأمر المؤكد هو أن الشعب يعرف طريقه، ومهما كان موقعه من الانتخابات ومن المترشحين فيها، فإنه لن يكون في صف أولئك الذين يملون عليه تلك "الوصايا" البائرة، من الأبراج العاجية ومن وراء المحيطات والبحار ومن خلال تصرفات طائشة، تعبر عن حالة نفسية محبطة. إن الأهم هو أن يعلم دعاة المقاطعة أن الشعب الموصوف بصاحب السيادة لا يجوز التعامل معه وكأنه فاقد الأهلية، وعندما يكون الشعب سيدا فإنه يعرف كيف يتحمل مسؤولية خياره ولن ينتظر دروسا من الذين أخطأوا فيه ويعتبرونه قاصرا ويريدون أن ينكسوا هامته من خلال رفع تلك " الخرقة السوداء"، التي تؤكد العمى الذي استبد ببصرهم وبصيرتهم. لذلك كله، فإن الطريقة الوحيدة لإلحاق الهزيمة ب "التزوير الأكبر" هي المشاركة وليس المقاطعة، وإن أكبر خطأ قد يقع فيه المواطنون هو الاعتقاد بأن الرئاسيات محسومة وأن يتخلوا عن أداء واجبهم الانتخابي على هذه الخلفية، لأنهم بذلك يقدمون أكبر خدمة لأولئك المشككين الأزليين، الذين يراهنون على أن يقاطع الشعب انتخابات التاسع من أفريل وأن يتجرع السم من خلال القبول بإهانة الراية الوطنية، على أيدي دعاة المقاطعة الذين سقط القناع عنهم للمرة الألف، فإذا هم مفضوحون، لا صدقية ولا غيرة لهم على الشعب ولا على إرادته وسيادته ورموزه• لقد تجلى بوضوح أن الذين أقدموا على ارتكاب جريمة نزع العلم الوطني واستبداله ب " السواد" هم المزورون الكبار، الذين يتجرأون على الرموز الوطنية، في تحد سافر لمشاعر الشعب وقوانين الجمهورية• أليس ذلك هو التزوير الأكبر، الذي يجب التصدي له وإلحاق الهزيمة به، انتصارا لتلك الراية التي ترمز لتضحيات وعنفوان وكبرياء الشعب، التي يريد لها المفلسون الحاقدون أن تنتكس وتتشح بالسواد. تلك هي التضحيات الجليلة التي يقدمها دعاة المقاطعة، وهم للعلم ديمقراطيون جدا، فلم يجدوا سوى نزع العلم الوطني! إنها الهدية العظيمة، التي أبى حزب الأرسيدي إلا أن يتبرع بها، في سبيل نظافة الانتخابات وحرية الشعب وسيادة الجزائر! "إذا لم تستح فافعل ما شئت.."