أقدم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية نهاية الأسبوع الفارط على تصرف خطير يمس رمزا من رموز الأمة الجزائرية، حينما قام بإنزال العلم الوطني من مقر حزبه بالجزائر العاصمة واستبداله براية سوداء، الواقعة لا تعد سابقة بالنسبة لهذا الحزب المعروف بمواقفه المتطرفة لا سيما من خلال محاولاته الرامية إلى ضرب الثوابت الوطنية على غرار التشكيك في عدد شهداء الجزائر. لا يزال الأرسيدي يعاود الكرة تلو الأخرى من خلال ممارسات شاذة يسعى من ورائها إلى التميز بأي ثمن حتى لو كان على حساب الوطنية وقدسية الشهداء، ضاربا عرض الحائط مقومات الهوية الجزائرية التي يبقى قوامها الأساسي إسلام، عروبة وأمازيغية، كعناصر ثلاثة تجتمع حولها الأمة الجزائرية. بالأمس القريب لم يتردد سعيد سعدي رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية رفقة نوابه بالمجلس الشعبي الوطني وأمام الملأ في الطعن في عدد شهداء الجزائر والتشكيك في العدد الرسمي المقدر بمليون ونصف مليون، يحدث هذا في وقت يعترف فيه البعيد قبل القريب والعدو قبل الصديق بعظمة الثورة الجزائرية وبكفاح الجزائريين على مدار 132 سنة ضد مستعمر غاشم، فهل يعقل أن يقتصر عدد الشهداء على تلك الأرقام الرسمية بالمقارنة مع تضحيات الجزائريين. إن إقدام الأرسيدي على إنزال العلم الوطني من مقر حزبه وبالرغم من أنه يعد سابقة خطيرة، إلا أنه ليس بالغريب بالنظر إلى المواقف المتطرفة لهذا الحزب والتي عرف بها إزاء القضايا الوطنية بصفة عامة، لكن الإشكال يتعدى أصل هذه المواقف عندما تتحول هذه التشكيلة السياسية إلى أداة والاعتداء على ثوابت الأمة الجزائرية. لم يتوقف الأرسيدي على التشكيك في عدد الشهداء وها نحن اليوم أمام اعتداء من نوع أخر استهدف علم الجزائر، عندما قرر زعيم هذا الحزب إنزال العلم من المقر الكائن ببلدية الأبيار وبديدوش مراد، فلماذا العلم، ولماذا في مكانه راية سوداء؟ الحديث عن العلم الجزائري يدفع بنا العودة إلى تاريخ الأمير عبد القادر صاحب المبادرة ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الذي ابتكر في القرن التاسع عشر العلم والذي احتوى على اللونين الموجودين الآن (الأبيض والأخضر) وهو نفس علم الأندلس، أما الهلال والنجمة فقد كانا موجودين في العلم الجزائري بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، والذي تكون من هلال ونجمة أبيضان على خلفية حمراء، كعلم الدولة العثمانية، حيث أن الدولة الجزائرية الأولى كانت تابعة سياسيا للخلافة العثمانية في تركيا. كما يعتبر العلم الجزائري القائم على الهلال والنجمة الخماسية اللذين يرمزان للإسلام بصفته دين الدولة الرسمي والذي تعتنقه الغالبية العظمى من الجزائريين رمزا للانتماء الوطني، وبالتالي فإن انتكاسة العلم بهذه الطريقة لا يمكن لها إلا أن تستهدف ثوابت الأمة الجزائرية من دين وتاريخ كلف ملايين الشهداء. أما فيما يخص رمزية الراية السوداء التي رفعها الأرسيدي مكان العلم الجزائري، فإنها لا تمثل في أي حال من الأحوال موقف الشعب الجزائري، كما لا يعكس نفسية هذه الأمة المتفائلة التي لم تركن في أي وقت من تاريخها إلى زاوية منعزلة لتنوح وتبكي. ردود الفعل الوطنية كانت كثيرة، حيث اعتبرت ما قام به الأرسيدي مزايدة باسم الديمقراطية وأن هؤلاء الأشخاص بدل عملهم من أجل الحفاظ على رموز الدولة ومقومات هذه الأمة عمدوا إلى الاعتداء والتعدي عليها، كما اعتبروا ذلك عملا غير برئ كونه جاء في الوقت الذي تتهيأ فيه الجزائر لموعد هام والمتعلق بإجراء انتخابات رئاسية في التاسع من أفريل الجاري، خاصة وأن الساحة الوطنية تعيش على وقع التنافس بين المترشحين والحملة الانتخابية تشرف على نهايتها بعد تسجيل التفاعل الكبير للمواطنات والمواطنين من خلال إقبالهم الواسع على المهرجانات الانتخابية للمترشحين. ينتقد سعدي الممارسة الديمقراطية في الجزائر بعد أن خرق كل حدودها وحطم جميع أسوارها، انتقد النظام واعتدى على روح الأمة الجزائرية، وهو المعروف بدكتاتوريته على مستوى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية باعتباره زعيما أبديا لهذا الحزب، وضرب رموز الجزائر بدل أن يدافع عنها.